يقول ابن تيميه: (كان الأنبياء جميعًا مبعوثين بدين الإسلام، فهو الدين الذي لا يقبل الله غيره لا من الأولين ولا من الآخرين) [1] أهـ. ويقول: (وأما الكتب السماوية المتواترة عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فقاطعة بأن الله لا يقبل من أحد دينا سوى الحنيفية، وهي الإسلام العام: عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بكتبه، ورسله، واليوم الآخر) [2] أهـ.
ويقول رحمه الله: (وقوله -تعالى-:(أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) . أمر مع القسط بالتوحيد، الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا أصل الدين، وضدّه الذنب الذي لا يغفر. قال الله- تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل وأرسلهم به إلى جميع الأمم .. وهو الإسلام العام الذي اتفق عليه جميع النبيين ... وهذا التوحيد الذي هو أصل الدين هو أعظم العدل، وضده وهو الشرك أعظم الظلم) [3] أهـ.
ويقول: (ودين الله الذي هو الإسلام مبني على أصلين: على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يعبد بما شرعه على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهذان هما حقيقة قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله) [4] .
ويقول ابن كثير في تفسير قوله -تعالى- (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) [سورة المائدة، الآية: 48] .
يقول: (هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقه في التوحيد ... وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي ... والدين الذي لا يقبل الله غيره: التوحيد والإخلاص لله- تعالى- الذي جاءت به جميع الرسل، عليهم الصلاة والسلام) [5] اهـ.
وكان أتباع كل رسول من المؤمنين به يصاحبون رسولهم في حياته، فيعايشونه، ويتعلمون منه، ويتلقون عنه، ويقتدون به، ويحفظون عنه كتاب ربه إليه، وآثاره وسنته، ويسألونه عما يشكل عليهم من أمور، ويستفتونه مباشرة في كل ما يمس أمور معاشهم و معادهم. حتى إذا ما مات الرسول، وطال الأمد على قومه من بعده، تبددت الأصحاب، وتجددت الأجيال، فضعفت الهمم، وغلبت الشهوات، وأفرخت الشُبُهات، وَقَسَتِ القُلُوب، وقَلَّ الاقتداء، وغابت السنن، وغلبت البدع، واختلط الحق بالباطل، وتداخلت الكتب الربانية، والآثار النبوية بالفلسفات الوثنية؛ والأوليات العقلية بالمقدمات المنطقية. وبعد أن كان الناس أمة واحدة على الحق، اختلفوا وتفرقوا!! (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) [سورة يونس، الآية: 19] . (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) . [سورة الجاثية، الآية: 17] . (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) . [سورة المؤمنون، الآية: 53] . (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) . [سورة البقرة، الآية: 176] .
وبقدر ما ابتعد الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم، بقدر ما أوغلوا في مجاهل الهوى، ومفاسد العقليات، وبقدر ما ضلوا عن صراط الله المستقيم، فكذبوا بالحق -أو ببعضه- من بعد ما عقلوه، وقدموا بين يدي الله ورسوله، فضلت الأجيال جيلًا بعد جيل، واختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.
(1) العبودية ص 34.
(2) الفتاوى الكبرى ج1 ص 335.
(3) الفتاوى الكبرى ج1 ص 348.
(4) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 162.
(5) تفسير ابن كثير ج 2 ص 66.