المنتشرة في البلاد التي تنتسب إلى السنة، ويدين أكثر أهلها على الجملة بعقائد أهل السنة - و هي غالب الدول المنتشرة على طول العالم الإسلامي باستثناء إيران - إن موقف هذه الجماعات لعجيب حقاً - سواء منها الجماعات التقليدية في الساحة أو التجمعات الأخرى التي تنتشر في ميدان العمل الإسلامي- فالناظر في شعارات بعض هذه الجماعات تصدمه حقيقة أولية: وهي عدم وجود أية فوارق حقيقية بين شعارات هذه الجماعات تبرر أن تهاجم كل منها الأخرى وتسفه أفكارها.
* ذلك أننا إذا نظرنا بعمق ودرسنا بتأني أفكار ومناهج وشعارات بعض هذه الجماعات لوجدناها من حيث المبدأ تتفق على الأصول العامة التي التقى عليها أهل السنة دائماً [1] . وفارقوا بها أهل الأهواء والبدع على اختلاف الأماكن والأزمان، وهي الالتزام بالقرآن والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلف الصالح، والالتزام بفقه أئمة السنة الأعلام - رضي الله عنهم - كالأئمة الأربعة وأمثالهم. كما أنهم لا يلتزمون ابتداء شعاراً مخالفاً لأصول أهل السنة والجماعة كالرافضة أو القدرية أوالجهمية أو المرجئة.
* صحيح أن كثيراً من أفكار هذه الفرق قد تسربت إلى كيان الأمة المسلمة، وأثرت في عقول وسلوك كثير من المسلمين، ولكنهم لا يتبنون هذه الأفكار تبنياً عقائدياً بل الغالب عليهم هو عدم الوعي بحقيقة هذه الأفكار، ومدى مخالفتها للسنة أو اتفاقها معها، وإنما هم يعيشون هذه الأفكار تقليداً للأسلاف أو الرؤساء دون تمحيص أو مراجعة بل تعصباً لهؤلاء الأسلاف أو الرؤساء فقط.
والعجيب أنك إذا أخذت بعض أفراد إحدى هذه الجماعات أو التجمعات - دع عنك أمر الرؤساء - لصدمت بحقيقة أخرى خطيرة و هي عدم تميز هؤلاء الأفراد عن أفراد الجماعة الأخرى سواء في الفكر أو في السلوك. بل إن غياب الملامح الفكرية الواضحة أو التميز السلوكي المحدد يجعل من الصعوبة على هؤلاء الأفراد أنفسهم أن يوضحوا لنا: لماذا العمل الإسلامي من خلال هذه الجماعة فقط؟ ولماذا يرفضون أن يعمل غيرهم من خلال جماعة أو تجمع آخر؟ وعلام يفاصلون أو يفارقون هذه الجماعات أو التجمعات الأخرى؟ وما هو الدليل الشرعي أو القدوة العملية عند السلف على هذا الموقف؟ و لماذا لا يسير الجميع - كل من خلال جماعته و من موقعه الحالي - نحو الهدف المشترك المنشود يشد بعضهم بعضاً بدلاً من أن يقف الجميع في خطوط متشابكة يعرقل كل منها الآخر؟ و يعوق تقدمه؟
و في ظل غياب الإجابات الواضحة - الشرعية أو العقلية - على هذه التساؤلات يفاجؤك موقف رؤساء أو زعماء بعض هذه الجماعات - أو التجمعات - لأنك إذا ناقشت أحدهم مناقشة علمية هادئة من أجل أن تتفهم حقيقة الخلافات القائمة بينهم وموقف كل منهم تجاه الأخر: تفاجأ بأن الجميع لا يوجد بينهم أية خلافات على ضرورة الالتزام بأصول أهل السنة والجماعة، والجميع متفقون على نفس الأئمة أنفسهم والمراجع العلمية نفسها والجميع متفقون غالباً على المقالات نفسها من حيث الحقائق والمعاني - وإن اختلفت الألفاظ والتعبيرات - والجميع متفقون على الغايات والوسائل نفسها على الجملة وإن اختلفت الأساليب والأدوات.
(1) باستثناء الجماعات الشاذة في أصولها ومناهجها كالفرق الصوفية المنحرفة، وفرق الخوارج وغير ذلك من فرق لا تلتزم بمنهج وأصول أهل السنة والجماعة ابتداء.