أن لا يوجد للمسلمين إمام ولا جماعة تدعو إلى مذهب أهل السنة، وهذا قد يحدث أيام الفتن الكبرى ولبعض البلاد، بحيث يصبح المسلم الملتزم بمذهب أهل السنة غريباً جداً، لا يجد من يناصره، ولا يجد من يأويه إلا أهل البدع.
ففي هذه الحالة فالمسلم واجب عليه أن يبحث عن تجمع يلتزم بمذهب أهل السنة، فإن بحث ولم يجد فعليه أن يدعو إلى الحق وإلى إنشاء مثل هذا التجمع، والسلف كانوا يدعون غيرهم في البلاد النائية إلى إقامة مذهب أهل السنة وتكوين جماعة: فروى ابن وضاح - عن غير واحد - (أن أسد بن موسى [1] (المسمى أسد السنة) كتب إلى أسد بن الفرات [2] : (اعلم - أي أخي - أن ما حملني على الكتابة إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك، مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدعة، وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة، وقواك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر - أي أخي - بثواب ذلك واعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسوله.(ثم ذكر أحاديث في الدعوة وإحياء السنة ثم قال ..: فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر فاعمل على بصيرة ونية وحسبة .. ) [3] .
وإذا لم يجد المسلم جماعة ولم يسمع له أحد فلا يجوز أن يركن إلى أحد من أهل البدع، بل عليه الاعتزال حتى يقضي الله ما يشاء أو يموت، وهو على اعتزاله قال، صلى الله عليه وسلم، لحذيفة:"أن تموت يا حذيفة وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحداً منهم".
(1) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأسدي، صاحب المسند، يقال له أسد السنة، قال النسائي: ثقة، لو لم يصنف كان خيراً له (توفي سنة 212هـ) . له كتاب الزهد في الظاهرية بدمشق رقم 101 من كتب المجاميع (عن حاشية البدع) .
(2) أسد بن الفرت هو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان مولى بني سليم بن قيس، مولده سنة 145هـ بحران من ديار بكر وتوفي سنة 213هـ وقيل 214هـ لما كان محاصراً سرقوسة وهو أمير الجيش وقاضيه، ودفن بصقلية، أخذ العلم عن علي بن زياد، وسمع من الإمام مالك موطأه، وكان ثقة ... (من حاشية البدع) .
(3) البدع والنهي عنها لابن وضاح ص5 - 7، تحقيق: محمد أحمد دهمان.