فهرس الكتاب
الصفحة 122 من 222

والمخالفون للسنة قد يقع منهم البغي والظلم والعدوان، إما لخطأ في الاجتهاد والتأويل، وإما للظلم والجهل، فهؤلاء عصاة آثمون، وأولئك غايتهم أنهم مخطئون.

* (وَكُلُّ مَنْ كَانَ بَاغِيًا أَوْ ظَالِمًا أَوْ مُعْتَدِيًا أَوْ مُرْتَكِبًا مَا هُوَ ذَنْبٌ فَهُوَ(قِسْمَانِ) :

* مُتَأَوِّلٌ، وَغَيْرُ مُتَأَوِّلٍ، فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُجْتَهِدُ: كَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ الَّذِينَ اجْتَهَدُوا، وَاعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ حِلَّ أُمُورٍ، وَاعْتَقَدَ الْآخَرُ تَحْرِيمَهَا، كَمَا اسْتَحَلَّ بَعْضُهُمْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ، وَبَعْضُهُمْ بَعْضَ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ بَعْضَ عُقُودِ التَّحْلِيلِ وَالْمُتْعَةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِك، فَقَدْ جَرَى ذَلِك وَأَمْثَالُهُ مِنْ خِيَارِ السَّلَفِ. فَهَؤُلَاءِ الْمُتَأَوِّلُونَ الْمُجْتَهِدُونَ غَايَتُهُمْ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ، قَدْ قَالَ -تَعَالَى-: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَانَا) وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ هَذَا الدُّعَاءَ) ج35 ص75.

* (وَقَدْ أَخْبَرَ -سُبْحَانَهُ- عَنْ داود وَسُلَيْمَانَ، عليهما السلام، إنَّمَا حَكَمَا فِي الْحَرْثِ، خَصَّ أَحَدَهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ، مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْحُكْمِ. وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا فَهِمَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِك مَلُومًا، وَلَا مَانِعًا لِمَا عُرِفَ مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِك مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ يَكُون إثْمًا وَظُلْمًا، وَالْإِصْرَارُ عَلَيْهِ فِسْقًا، بَلْ مَتَى عُلِمَ تَحْرِيمُهُ ضَرُورَةً كَانَ تَحْلِيلُهُ كُفْرًا. فَالْبَغْيُ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ) ج35 ص75.

* (أَمَا إذَا كَانَ الْبَاغِي مُجْتَهِدًا مُتَأَوِّلًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُ بَاغٍ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِهِ: لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَتُهُ(بَاغِيًا) مُوجِبَةً لِإِثْمِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تُوجِبَ فِسْقَهُ. وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُتَأَوِّلِينَ، يَقُولُونَ مَعَ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ: قِتَالُنَا لَهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِ بَغْيِهِمْ، لَا عُقُوبَةً لَهُمْ، بَلْ لِلْمَنْعِ مِنْ الْعُدْوَانِ، وَيَقُولُونَ: إنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى الْعَدَالَةِ لَا يُفَسَّقُونَ. وَيَقُولُونَ: هُمْ كَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ، كَمَا يُمْنَعُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالنَّاسِي وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ مِنْ الْعُدْوَانِ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُمْ، بَلْ تُمْنَعُ الْبَهَائِمُ مِنْ الْعُدْوَانِ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ قُتِلَ مُؤْمِنًا خَطَأً الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك. وَهَكَذَا مَنْ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ وَتَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْبَاغِي الْمُتَأَوِّلُ يُجْلَدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَنَظَائِرُهُ مُتَعَدِّدَةٌ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ (الْبَغْيُ) بِغَيْرِ تَاوِيلٍ: يَكُون ذَنْبًا، وَالذُّنُوبُ تَزُولُ عُقُوبَتُهَا بِأَسْبَابِ مُتَعَدِّدَةٍ: بِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِك) ج35 ص76.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام