لقد أثبتت الأحداث التي مرت بها المنطقة الإسلامية مؤخراً -ومنذ صدور الطبعة الأولى من هذا البحث وحتى الآن -أن المواجهة حتمية بين جماعة أهل السنة -بفصائلها وكتائبها المتنوعة- وبين قوى الشر مجتمعة من صِهيونية وصليبية وعلمانية وفرق ضالة.
إن هذه الأحداث -ولعل أهمها وأبرزها أحداث حرب الخليح وما صاحبها وأعقبها من تداعيات محلية وعالمية -قد أثبتت ولا تزال تثبت أن هذه الجماعة -جماعة أهل السنة- هي العقبة الجوهرية والحقيقية والوحيدة التي تقف أمام هذه القوى الشريرة وتمنعها من إمرار مخططاتها السوداء.
إن هذه الجماعة ترى دائماً -بفضل من ربها وعلى هدي من كتابه وسنة نبيه- ما لا يراه غيرها من أخطار ومؤامرات ومكائد تُحاك ضد هذه الأمة -عقيدتها وأخلاقها وسلوكها- بحيث تصبح بلا هوية، ولا شخصية، ولا ضمير، فيسهل اجتياحها وتحويلها -مثل غيرها من الأمم- إلى ترس يدور في آلة الحضارة الغربية.
إن القرآن والسنة وفقه السلف الصالح -الصحابة والتابعين وتابعيهم، أصحاب القرون الثلاثة الأولى المباركة- هي ضمير هذه الأمة، وهويتها، وشخصيتها التي تميزها على مدار تاريخها كلها ماضيه، وحاضره، ومستقبله -إن شاء الله-.
ليس غريباً إذن أن تكون هذه الأصول الثلاثة المعصومة -الكتاب، والسنة، وإجماع السلف الصالح- هي الأهداف التي تجلب عليها قوى الشر بخيلها ورجلها في محاولة مستميتة لاقتلاعها من جذورها المتمكنة -بإذن الله- في تربة هذه الأمة الخصبة، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد حاولت هذه القول أن تُشكك أولاً في فقه السلف الصالح -رضي الله عنهم- فدعت إلى فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات العصرية، والدعوات العقلانية، والتأويلات الحديثة المتحللة من أية ضوابط علمية، والتي تفرغ نصوص الشريعة من محتواها، وتصرفها عن معانيها الحقة التي لقنها النبي، صلى الله عليه وسلم، لصحابته الكرام.
ثم حاولت أن تشكك بعد ذلك في السنة نفسها سنداً ومتناً، قاصدة بذلك ضرب حجية السنة كمصدر وأصل يتشكل منه عقل ووجدان هذه الأمة.
ثم ها هي أخيراً تحاول التشكيك في محكمات الكتاب وأصوله الثابتة التي لا تقبل صرفاً ولا تأويلاً، بل وصل الأمر إلى محاولة التشكيك في الأصول والثوابت التي تشكل أركان العقيدة الأولى لهذا الدين، عقيدة التوحيد.
ولقد رأينا أثناء وبعد حرب الخليج كيف اهتزت بشدة قيمة من أهم قيم التوحيد وأركانه؛ وهي قيمة الموالاة والمعاداة والحب والبغض في الله.
لقد شاهدنا وسمعنا كيف اضطربت هذه المفاهيم في نفوس كثير من أبناء هذه الأمة أمام ضِراوة الشبهات وسلاح الشهوات، وحرب التخويف، وتحطيم الرموز، وانقلاب المواقف؛ كل ذلك في إطار من الحملات الإعلامية الشرسة، والمعارك الثقافية الضارية، وعمليات غسل المخ، التي حوّلت الواقع إلى سلسلة من الفتن كقطع الليل المظلم التي تجعل الحليم في حيرة من أمره.
لقد أثبتت هذه الأحداث -وكما توسمنا أثناء إعداد الطبعة الأولى من هذا البحث منذ ما يقارب الخمس سنوات -أن هذه الأصول والثوابت التي تشكّل عقل وضمير ووجدان هذه الأمة، وتبرز الشخصية العقدية والأخلاقية والسلوكية لهذه الجماعة -جماعة أهل السنة- هذه الأصول والثوابت لا تزال هي المقصد الأول لمعاول الهدم في أيدي قوى الشر في الداخل والخارج.