فهرس الكتاب
الصفحة 101 من 222

3 -(فَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - قَدْ خَالَفَتْ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا، صلى الله عليه وسلم، رَأَى رَبَّهُ. قَالَتْ:"مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى- الْفِرْيَةَ". وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ أَنَّهُمْ لَا يُبَدِّعُونَ الْمَانِعِينَ الَّذِينَ وَافَقُوا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- وَكَذَلِكَ أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْوَاتُ يَسْمَعُونَ دُعَاءَ الْحَيِّ، لَمَّا قِيلَ لَهَا: إنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". فَقَالَتْ: إنَّمَا قَالَ:"إنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ أَنَّ مَا قُلْت لَهُمْ الحَقٌّ". وَمَعَ هَذَا فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ خَفْقَ النِّعَالِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ". صَحَّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، الْأَحَادِيثِ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَأَوَّلَتْ، وَاَللَّهُ يَرْضَى عَنْهَا. وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ نُقِلَ عَنْهُ فِي أَمْرِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ بِرُوحِهِ. وَالنَّاسُ عَلَى خِلَافِ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.

وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي"الْأَحْكَامِ"، فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْضَبِطَ وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا اخْتَلَفَ مُسْلِمَانِ فِي شَيْءٍ تَهَاجَرَا، لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وَلَا أُخُوَّةٌ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما- سَيِّدَا الْمُسْلِمِينَ يَتَنَازَعَانِ فِي أَشْيَاءَ لَا يَقْصِدَانِ إلَّا الْخَيْرَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ:"لَا يُصَلِّيَن أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا نُصَلِّي إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ففَاتَهُمْ الْعَصْرُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَاخِيرَ الصَّلَاةِ، فَصَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدًا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأُصُولِ الْمُهِمَّةِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْأَحْكَامِ) ج24 ص172 - 174.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام