فهرس الكتاب
الصفحة 4 من 222

إن الحمد لله، نحمده، ونسعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) .

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) .

أما بعد:

فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، رُوي عنه من وجوه متعددة رواها أهل السنن والمسانيد، كالإمام أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم، أنه قال:"ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة". وفي رواية:"من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

ولقد تلقّت الأمة هذا الحديث بالتصديق والقبول، وعلم السلف والأئمة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ينبه أمته، ويفتح عقولها على سنة عامة، من سنن الله في خلقه، حدثت مع الأمم السابقة فهلكت بها، إلا من كتب الله له النجاة. وإن هذه السنة العامة، متحققة لا محالة في هذه الأمة -أيضاً-، إلا من رحم الله، فهداه إلى التمسك بهدي رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهدي صحابته -رضوان الله عليهم-.

يقول النبي، صلى الله عليه وسلم:"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة". وفي لفظ:"على ثلاث وسبعين ملة". وفي رواية قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال:"من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". وفي رواية، قال:"هي الجماعة، يد الله على الجماعة" [1] .

ولقد صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتحققت سنة الله في خلقه، إذ افترقت الأمة بعد رسولها من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، فتجاذبت الناس الأهواء والاختلافات، وتعددت المذاهب والرايات، وتشعبت البدع والنظريات، وفارق الناس كتاب ربهم وسنة نبيهم، فضلوا عن سبيل الصراط المستقيم، وضربوا في تيه السبل، وقدموا بين يدي الله ورسوله، واتبعوا سبيل كل ناعق.

ولكن خلال ذلك كله -وتحقيقاً لسنة الله التي أخبرنا عنها رسوله الأمين، صلى الله عليه وسلم، -ظلت راية الفرقة الناجية عالية خفاقة، تجمع تحتها كل من أراد لنفسه النجاة، وأراد له ربه أن ينأى بنفسه بعيداً عن كل تلك الرايات الضالة المضلة، فيتمسك بالجماعة التي كان عليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الأبرار -رضوان الله عليهم-، وتابعيهم بإحسان، ومن سار على دربهم، وتمسك بهديهم ممن جاء بعدهم.

(1) يقول ابن تيمية: (الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد، كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم .. ) ا. هـ راجع محموع فتاوى شيخ الإسلام، ج3، ص345.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام