5 - (وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي الْوُضُوءِ، خُرُوجِ الدَّمِ بِالْفِصَادِ، وَالْحِجَامَةِ وَالْجَرْحِ وَالرُّعَافِ، وَفِي"الْقَيْءِ"وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ أَنَّ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَخْرُجُونَ فِي الْمَغَازِي فَيُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْوُضُوءِ"مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ"و"مَسِّ الْمَرْأَةِ لِشَهْوَةِ". إنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي:"الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ". و"مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ". إنَّ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ، فَمَنْ تَوَضَّأَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَلْ الْمَقْصُودُ ضَرْبُ الْمَثَلِ بِهَا. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ كَالْجَدِّ وَالْمُشْرِكَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَفِي مَسَائِلِ زِيَارَاتِ الْقُبُورِ، مِنْهُمْ مِنْ كَرِهَهَا مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاحَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. وَتَنَازَعُوا فِي"السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم،". هَلْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ؟ أَوْ مُسْتَقْبِلَ الْحُجْرَةِ؟ وَهَلْ يَقِفُ بَعْدَ السَّلَامِ يَدْعُو لَهُ، أَمْ لَا؟ وَتَنَازَعُوا أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ أَفْضَلُ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَوْ مَسْجِدُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم،) ج35 ص358 - 360.