* (قد يَقْتَرِنُ بِالْحَسَنَاتِ سَيِّئَاتٌ إمَّا مَغْفُورَةٌ أَوْ غَيْرُ مَغْفُورَةٍ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ عَلَى السَّالِكِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ الْمَحْضَةِ، إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْمُحْدَثِ لِعَدَمِ الْقَائِمِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ النُّورُ الصَّافِي بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا النُّورُ الَّذِي لَيْسَ بِصَافٍ، وَإِلَّا بَقِيَ الْإِنْسَانُ فِي الظُّلْمَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعِيبَ الرَّجُلُ وَيَنْهَى عَنْ نُورٍ فِيهِ ظُلْمَةٌ، إلَّا إذَا حَصَلَ نُورٌ لَا ظُلْمَةَ فِيهِ، وَإِلَّا فَكَمْ مِمَّنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ النُّورِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذَا خَرَجَ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ، لِمَا رَآهُ فِي طُرُقِ النَّاسِ مِنْ الظُّلْمَةِ. وَإِنَّمَا قَرَّرْت هَذِهِ(الْقَاعِدَةَ) لِيُحْمَلَ ذَمُّ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ لِلشَّيْءِ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَيُعْرَفَ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ كَمَالِ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ الْمَامُورِ بِهِ شَرْعًا، تَارَةً يَكُونُ لِتَقْصِيرِ بِتَرْكِ الْحَسَنَاتِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَتَارَةً بِعُدْوَانِ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ قَدْ يَكُونُ عَنْ غَلَبَةٍ. وَقَدْ يَكُونُ مَعَ القُدْرَةٍ، (فَالْأَوَّلُ) : قَدْ يَكُونُ لِعَجْزِ وَقُصُورٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ قُدْرَةٍ وَإِمْكَانٍ. و (الثَّانِي) : قَدْ يَكُونُ مَعَ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ غِنًى وَسَعَةٍ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاجِزِ عَنْ كَمَالِ الْحَسَنَاتِ، وَالْمُضْطَرِّ إلَى بَعْضِ السَّيِّئَاتِ مَعْذُورٌ. وَهَذَا (أَصْلٌ عَظِيمٌ) : وَهُوَ أَنْ تَعْرِفَ الْحَسَنَةَ فِي نَفْسِهَا عِلْمًا وَعَمَلًا، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً، وَتَعْرِفَ السَّيِّئَةَ فِي نَفْسِهَا عِلْمًا وعَمَلاً وقَوْلاً، مَحْظُورَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْظُورَةٍ - إنْ سُمِّيَتْ غَيْرُ الْمَحْظُورَةِ سَيِّئَةً - وَإِنَّ الدِّينَ تَحْصِيلُ الْحَسَنَاتِ وَالْمَصَالِحِ، وَتَعْطِيلُ السَّيِّئَاتِ وَالْمَفَاسِدِ. وَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَجْتَمِعُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ، أَوْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ الْأَمْرَانِ، فَالذَّمُّ وَالنَّهْيُ وَالْعِقَابُ قَدْ يَتَوَجَّهُ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا يَغْفُلُ عَمَّا فِيهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، كَمَا يَتَوَجَّهُ الْمَدْحُ وَالْأَمْرُ وَالثَّوَابُ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ أَحَدُهُمَا، فَلَا يَغْفُلُ عَمَّا فِيهِ مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَقَدْ يُمْدَحُ الرَّجُلُ بِتَرْكِ بَعْضِ السَّيِّئَاتِ الْبِدْعِيَّةِ والفجورية، لَكِنْ قَدْ يُسْلَبُ مَعَ ذَلِكَ مَا حُمِدَ بِهِ غَيْرُهُ عَلَى فِعْلِ بَعْضِ الْحَسَنَاتِ السُّنِّيَّةِ الْبَرِّيَّةِ.
* فَهَذَا طَرِيقُ الْمُوَازَنَةِ وَالْمُعَادَلَةِ، وَمَنْ سَلَكَهُ كَانَ قَائِمًا بِالْقِسْطِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ لَهُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) ج10 ص364 - 366.
* وَالسَّلَفُ إذَا ذَمُّوا أَهْلَ الْكَلَامِ وَقَالُوا: عُلَمَاءُ الْكَلَامِ زَنَادِقَةٌ، وَمَا ارْتَدَى أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فَأَفْلَحَ، فَلَمْ يُرِيدُوا بِهِ مُطْلَقَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ طَرِيقَةِ الْمُرْسَلِينَ) ج12 ص460 - 461.