فهرس الكتاب
الصفحة 43 من 222

إنما قلنا نشأة التسمية، ولم نقل نشأة أهل السنة، لأن مذهب أهل السنة هو ما كان عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فليسوا ممن ابتدع بدعة فنسبت إلى فرد أو طائفة حتى يقال: إنه نشأ في عام كذا. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب قديم، معروف، قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة، ومتنازعون في إجماع من بعدهم) [1] . ثم يبين ابن تيمية لماذا نسب مذهب أهل السنة إلى الإمام أحمد. فيقول: (وأحمد بن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولا، بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة، فلما وقعت محنة الجهمية، نفاة الصفات، في أوائل المائة الثالثة -على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق- ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله -تعالى-، وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخروا الرافضة، وكانوا قد أدخلوا معهم من أدخلوه من ولاة الأمور، فلم يوافقهم أهل السنة حتى تهددوا(وفي نسخة هددوا) بعضهم بالقتل، وقيدوا بعضهم وعاقبوهم، وأخذوهم بالرهبة والرغبة، وثبت الإمام أحمد بن حنبل على ذلك الأمر حتى حبسوه مدة، ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته، فانقطعوا معه في المناظرة يوماً بعد يوم ... (وذكر محنته) ثم قال: (ثم صارت هذه الأمور سبباً في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة، وصنف الناس في ذلك مصنفات، وأحمد وغيره من علماء السنة والحديث مازالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة، ولكن بسبب المحنة كثر الكلام، ورفع الله قدر هذا الإمام فصار إماماً من أئمة السنة، وعلما من أعلامها، لقيامه بإعلامها وإظهارها، وإطلاعه على نصوصها وآثارها. وبيانه لخفي أسرارها، لا لأنه أحدث مقالة أو ابتدع رأيا. ولهذا قال بعض شيوخ المغرب:(المذهب لمالك والشافعي والظهور لأحمد يعني أن مذاهب الأئمة في الأصول مذهب واحد وهو كما قال) [2] . فمن هذا النص المتين يتبين أن أهل السنة والجماعة، إنما هم امتداد لما كان عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، فإذا ما قام إمام -في زمن البدع أو غربة أهل السنة- بالدعوة إلى العقيدة السليمة ومحاربة ما يخالفها فهو لم يأت بجديد، وإنما جدد ما اندرس من مذهب أهل السنة، وأحيا ما مات منه، وإلا فالعقيدة لم تتغير والمنهج في العقيدة لم يتغير، فإذا ما وقع في بعض الأزمان أو الأمكنة نسبة مذهب أهل السنة إلى عالم من العلماء أو مجدد من المجددين، فلأنه دعا إليه، لا لأنه ابتدعه أو اخترعه.

أما عن بدء التسمية بأهل السنة والجماعة، أو أهل الحديث فكانت له بداية، لأن الافتراق لما حصل، وتعددت هذه الفرق وكثرت البدع والانحرافات كان لابد لأهل السنة أن يتميزوا عن غيرهم في اعتقادهم وفي منهجهم، وإن كانوا في الحقيقة امتدادا طبيعيا لما كان الرسول وأصحابه.

(1) منهاج السنة 2/ 482 -تحقيق: محمد رشاد سالم.

(2) منهاج السنة ج2 ص482 - 486 تحقيق: محمد رشاد سالم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام