والنصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله وأصحابه في فضل الشام وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق أكثر من أن تذكر هنا، بل ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من النصوص الصحيحة في ذم المشرق، وإخباره"بأن الفتنة ورأس الكفر منه". ما ليس هذا موضعه، وإنما كان فضل المشرق عليهم بوجود أمير المؤمنين علي، وذلك كان أمراً عارضاً، ولهذا لما ذهب علي ظهر منهم الفتن والنفاق والردة والبدع ما يعلم به أن أولئك كانوا أرجح. وكذلك -أيضا- لا ريب أن في أعيانهم من العلماء والصالحين من هو أفضل من كثير من أهل الشام، كما كان علي وابن مسعود وعمار وحذيفة ونحوهم أفضل من أكثر من بالشام من الصحابة، لكن مقابلة الجملة وترجيحها لا يمنع اختصاص الطائفة الأخرى بأمر راجح.
والنبي، صلى الله عليه وسلم، ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة، وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام، فإن الحجاز، (التي هي أصل الإيمان) نقص في آخر الزمان منها العلم والإيمان، والنصر والجهاد، وكذلك اليمن والعراق والمشرق.
وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه منصوراً مؤيداً في كل وقت، فهذا هذا والله أعلم. وهذا يبين رجحان الطائفة الشامية من بعض الوجوه مع أن عليا كان أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عمارا قتلته الفئة الباغية -كما جاءت به النصوص- فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله، ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة. فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة و الاختلاف) [1] ا. هـ.
ويؤكد شيخ الإسلام على نفس الكلام في عصره هو فيقرر: (أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحق الناس دخولاً في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي، صلى الله عليه وسلم، .. وقد جاء في حديث آخر في صفة الطائفة المنصورة(أنهم بأكناف البيت المقدس) وهذه الطائفة هي التي بأكناف البيت المقدس اليوم) [2] . ا. ه.
(1) مجموع فتاوي شيخ الإسلام ج4 ص445 - 450.
(2) السابق ج28 ص531، ص532، ص552.