فهرس الكتاب
الصفحة 212 من 222

إن العمل للإسلام من خلال هذه الجماعات أمر لا غبار عليه، لا شرعاً ولا عقلاً، وتسخير جهد كل فرد لخدمة هذا الدين من خلال تجميع منظم ومتناسق مع جهد الآخرين، أمر وواجب شرعي مطلوب بداهة، ولا مفر منه. بغض النظر عن الشكل الذي يتحقق ذلك من خلاله، والالتزام بالعهود والمواثيق والعقود الشرعية لتحقيق إنجاز واضح ومهمة محددة ومتفق عليها سلفاً أمر مشروع وواجب معروف، ولكن الخطأ والانحراف عن منهج أهل السنة والجماعة أن يقدم الولاء للجماعة الصغيرة على الولاء للجماعة الكبيرة [1] .

وأن تقدم المصلحة المتوهمة للجماعة الصغيرة على المصلحة الشرعية الحقيقية للجماعة الكبيرة، وأن يضحي بالمهمة المطلقة والواجب الأكبر في سبيل تحقيق المصلحة المرجوحة. ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:"وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه".

وبعد هذه النظرة إلى واقع التجمعات الإسلامية، فإن هناك حقيقة لا نحسب أنها تغيب عن ذهن القارئ الواعي بأمر هذا الدين، وإن كنا نخشى أن تكون قد زاغت -أو توارت- أثناء الصراع الدائر بين أهل السنة والجماعة والفرق المختلفة الضالة التي تنتسب لهذا الدين.

إن أحد التحديات الخطيرة - إن لم تكن أخطر هذه التحديات على الإطلاق -والتي تواجه أهل السنة والجماعة في هذا العصر، لهي إسقاط اللافتات الزائفة، وكشف المقولات الغامضة، وفضح الشعارات الملبسة، التي تتخفى وراءها العلمانية الكافرة - بأفكارها وأفرادها وتجمعاتها - لتبث سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمة.

ولفضح العلمانية ومواجهتها، لابد أولا أن يصل أمر المواجهة إلى المستوى المطلوب من الحسم والوضوح في نفوس أهل السنة أنفسهم. فإنه بدون هذا الحسم و بدون هذا الوضوح تعجز تجمعات أهل السنة - ويعجز علماؤها ومفكروها - عن أداء واجبها في هذه الفترة الحرجة، وتتأرجح هي أمام التجمعات الجاهلية - ومنها العلمانية - حيث تحسبها تجمعات ليست بكافرة، وبالتالي تفقد تجمعات أهل السنة تحديد أهدافها الحقيقية، وذلك بفقدانها لتحديد نقطة البدء في مواجهة هذه التجمعات الجاهلية من حيث تقف هذه التجمعات الجاهلية فعلاً، لا من حيث تزعم، و المسافة بعيدة بين الزعم والواقع ... بعيدة جدًّا.

و نظرا لما أصاب كثيراً من التصورات الإسلامية من انحراف وغبش في أذهان الناس في هذا العصر، ولما يثيره أعداء الإسلام - الظاهرون منهم والمتسترون - من شبهات وأباطيل، فإن من الضروري أن يقوم أهل السنة والجماعة بتجلية تلك التصورات وكشف هذه الشبهات، وفضح حقيقة العلمانية الكافرة، وبيان أن التوحيد الذي هو أعظم حقيقة في التصور الإسلامي - بل في الوجود كله - هو في الوقت ذاته أكبر نقيض للعلمانية. ومن ثم كان لابد من معرفته حق المعرفة والتأكيد عليه في جميع مراحل الدعوة إلى الله مع بيان سبيل إحياء الأمة في التمسك و اتباع مناهج وأصول أهل السنة والجماعة.

وإذا كان معنى:"لا إله إلا الله"، الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وخير تعريف للطاغوت ما ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله: [الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله] .

(1) أي عامة أهل السنة بمعناها العام والشامل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام