فهرس الكتاب
الصفحة 213 من 222

وانطلاقاً من هذا المفهوم - الذي يعتبر في حقيقة الأمر من المعلوم من الدين بالضرورة عند أهل السنة والجماعة - نستطيع أن نرى حكم الإسلام في العلمانية بوضوح وسهولة، ونستطيع أن نصل بالقضية إلى المستوى المطلوب من الحسم والوضوح في نفوس أهل السنة واللازمين لفضح العلمانية ومواجهتها.

إن العلمانية - باختصار- نظام طاغوتي جاهلي كافر، يتنافى ويتعارض تماماً مع شهادة"لا إله إلا الله". سواء على مستوى الجماعات أو الأفراد الذين يتبنون هذا المنهج.

إن العلمانية تعني - بداهة - الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعة الله، وقبول الحكم والتشريع والطاعة والاتباع من طواغيت أخرى من دون الله. فهذا معنى قيام الحياة على غير الدين، و من ثم فهي - بالبديهية أيضاً - نظام جاهلي، لا مكان لمعتقده و لا لنظامه ولا لشرائعه في دائرة الإسلام، بل هو كافر بنص القرآن الكريم: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) .

فهل يبقى بعد هذا مجال للشك أو التردد في الحسم و الوضوح اللازمين في نفوس أهل السنة اليوم تجاه العلمانية؟.

الحق أنه لا مجال لشئ من ذلك، ولكن الغياب المذهل لحقائق الإسلام من العقول والقلوب والغبش الكثيف الذي انتهجه الأفكار المنحرفة، هذا وذاك هما اللذان يجعلان كثيراً من الناس يثيرون شبهات متهافتة، لم تكن لتستحق أدنى نظر لولا هذا الواقع المؤلم. فمن هذه الشبهات استصعاب بعض الناس إطلاق لفظ الكفر أو الجاهلية على من أطلقهما الله - تعالى - عليه من الأنظمة والأوضاع والأفراد، بذريعة أن هذه الأنظمة - لا سيما العلمانية الديمقراطية - لا تنكر وجود الله، وبذريعة أن هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية لا تمانع في إقامة شعائر التعبد، وبحجة أن بعض أفراد العلمانية الديمقراطية يتلفظون بالشهادة، ويقيمون الشعائر من صلاة وصيام، وحج وصدقة، ويحترمون من يسمونهم برجال الدين (!) ويحترمون المؤسسات الدينية ... إلخ. وفي ظل هذه الشبهات المتهافتة المردودة يستصعب بعض الناس ومنهم - للأسف الشديد - بعض من يرفع راية الدعوة الإسلامية اليوم، القول بأن الأنظمة العلمانية الديمقراطية أنظمة كافرة جاهلية، وأن المؤمنين بها المتبعين لها جاهليون؟ ومن الواضح جدًّا أن الذين يلوكون هذه الشبهات لا يعرفون معنى لا إله إلا الله، ولا مدلول"الإسلام". بل لقد جاء دعاة العلمانية - بعد التفكير والتدبير - إلى ما هو أخبث وأخطر: لجأوا إلى اصطناع أنظمة تحكم بغير ما أنزل الله. وفي الوقت نفسه هي تدعي الإسلام، وتظهر احترام العقيدة، فقتلوا إحساس الجماهير وضمنوا ولاءها، وخدروا ضميرها، ثم انطلقوا يهدمون شريعة الله في مأمن من انتفاضتها. ولذلك لا يجرؤ أرباب هذه الأنظمة العلمانية الديمقراطية على التصريح بأنهم ملحدون، أو لا دينيون، أو أنهم ضد شريعة الله، بينما يصرحون - مفتخرين - بأنهم ديمقراطيون -مثلاً-! وتبلورت مقالات العلمانيين وأفكارهم التي تعبر في جوهرها عن حقيقة الجاهلية، ولكنها - وبخبث شديد وتدبير محكم - تحاول أن تنتسب إلى الدين بتبجح غريب، ومكر وضيع، وذلك حتى لا ينفر من هذه الأفكار جمهور المسلمين، فهم يريدون أن تسري العلمانية ببطء في عقول ونفوس جمهور المسلمين، سريان السم البطيء الذي يودي بحياة صاحبه دون أن يتنبه له جسده.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام