وَقَالَتْ (الْمُجَبِّرَةُ) : بَلْ قُدْرَتُهُ ثَابِتَةٌ بِلَا حِكْمَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ لِحِكْمَةِ .. ثُمَّ مَنْ حَقَّقَ مِنْهُمْ: أَنْكَرَ الشَّرْعَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَنْكَرَ النُّبُوَّاتِ .. وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقِرًّا بِالنُّبُوَّةِ فَأَنْكَرَ الشَّرْعَ فِي الْبَاطِنِ، وَقَالَ الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ سَيِّئَةً، صَارَ مُنَافِقًا يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ. وَيَقُولُ: الشَّرْعُ لِأَجْلِ الْمَارَسْتَانِ، وَلِهَذَا يُسَمَّوْنَ (بَاطِنِيَّةً) كَمَا سَمَّوْا الْمَلَاحِدَةَ (بَاطِنِيَّةً) فَإِنَّ كِلَاهُمَا يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ، يُبْطِنُونَ تَعْطِيلَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. فَمُنْتَهَى الجهمية الْمُجَبِّرَةِ: إمَّا مُشْرِكُونَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِمَّا مُنَافِقُونَ يُبْطِنُونَ الشِّرْكَ) ج13 ص211 - 214.
* (قَدْ ذَكَرْت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ(ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ) :
(قَدَرِيَّةٌ مشركية) ، وَ (قَدَرِيَّةٌ مَجُوسِيَّةٌ) وَ (قَدَرِيَّةٌ إبليسية) :
فَأَمَّا الْأَوَّلُونَ: فَهُمْ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يُوَافِقُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَقَالُوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) .. فَهَؤُلَاءِ يَؤولُ أَمْرُهُمْ إلَى تَعْطِيلِ الشَّرَائِعِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالرُّبُوبِيَّةِ الْعَامَّةِ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ. وَأَنَّهُ مَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَبْتَلِي بِهِ كَثِيرًا - إمَّا اعْتِقَادًا وَإِمَّا حَالًا - طَوَائِفُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهُمْ إلَى الْإِبَاحَةِ لِلْمُحَرَّمَاتِ، وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ وَرَفْعِ الْعُقُوبَاتِ .. وَقَدْ يَغْلُو أَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقِ حَتَّى يَجْعَلُوا عَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ هِيَ اللَّهُ .. وَيَتَمَسَّكُونَ بِمُوَافَقَةِ الْإِرَادَةِ الْقَدَرِيَّةِ فِي السَّيِّئَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ .. وَلَمَّا كَانَ فِي هَؤُلَاءِ شَوْبٌ مِنْ النَّصَارَى، وَالنَّصَارَى فِيهِمْ شَوْبٌ مِنْ الشِّرْكِ تَابَعُوا الْمُشْرِكِينَ فِي مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْقَدَرِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ ..