وَ (الْقَدَرِيَّةُ الثَّانِيَةُ) الْمَجُوسِيَّةُ: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي خَلْقِهِ كَمَا جَعَلَ الْأَوَّلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِهِ، فَيَقُولُونَ: خَالِقُ الْخَيْرِ غَيْرُ خَالِقِ الشَّرِّ. وَيَقُولُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي مِلَّتِنَا: إنَّ الذُّنُوبَ الْوَاقِعَةَ لَيْسَتْ وَاقِعَةً بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَرُبَّمَا قَالُوا: وَلَا يَعْلَمُهَا - أَيْضًا- وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْلُ، وَيَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ سَلْبَ الصِّفَاتِ وَيُسَمُّونَهُ التَّوْحِيدَ .. وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا - إمَّا اعْتِقَادًا وَإِمَّا حَالًا - فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَكَلِّمَةِ، كَمَا وَقَعَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فِي الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ .. وَلِمَا بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ التَّنَافِي تَجِدُ الْمُعْتَزِلَةَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ الصُّوفِيَّةِ، وَيَمِيلُونَ إلَى الْيَهُودِ، وَيَنْفِرُونَ عَنْ النَّصَارَى، وَيَجْعَلُونَ إثْبَاتَ الصِّفَاتِ هُوَ قَوْلُ النَّصَارَى بِالْأَقَانِيمِ ...
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الْقَدَرِيَّةُ الإبليسية الَّذِينَ صَدَّقُوا بِأَنَّ اللَّهَ صَدَرَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ، لَكِنَّ عِنْدَهُمْ هَذَا تَنَاقُضٌ، وَهُمْ خُصَمَاءُ اللَّهِ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَهَؤُلَاءِ كَثِيرٌ فِي أَهْلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مِنْ سُفَهَاءِ الشُّعَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ، كَقَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ المعري: أَنَهَيْت عَنْ قَتْلِ النُّفُوسِ تَعَمُّدًا، وَزَعَمْت أَنَّ لَهَا مُعَادًا آتِيًا. مَا كَانَ أَغْنَاهَا عَنْ الْحَالَيْنِ. وقول بَعْضِ السُّفَهَاءِ الزَّنَادِقَةِ: يَخْلُقُ نُجُومًا وَيَخْلُقُ بَيْنَهَا أَقْمَارًا. يَقُولُ: يَا قَوْمُ غُضُّوا عَنْهُمْ الْأَبْصَارَ تَرْمِي النسوان، وَتَزْعَقُ مَعْشَرَ الْحُضَّارَ. اُطْفُوا الْحَرِيقَ. وَبِيَدِك قَدْ رَمَيْت النَّارَ. وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ كُفْرَ صَاحِبِهِ وَقَتْلِهِ) ج8 ص226 - 260.
* (وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ، وَيُقَارِبُونَ قَوْلَ جَهْمٍ، لَكِنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقَدَرَ، فَهُمْ وَإِنْ عَظَّمُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ: وَغَلَوْا فِيهِ، فَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، فَفِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْوَعْدِ، وَالْوَعِيدِ مَعَ إنْكَارِ الْقَدَرِ خَيْرٌ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ مَعَ إنْكَارِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ .. فَهَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفُونَ، الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ مَعَ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ: شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ: أُولَئِكَ يُشْبِهُونَ الْمَجُوسَ، وَهَؤُلَاءِ يُشْبِهُونَ الْمُشْرِكِينَ) ج3 ص103،104.