إن انطلاق أهل السنة والجماعة لاستيعاب لغة العصر وعلومه وثقافته وامتلاك أسباب القوة المادية في جميع مجالات العلوم، ما زال فريضة شرعية غائبة قبل أن يكون واجباً عقلياً، أو حتمية تاريخية. وعلى أهل السنة - قبل غيرهم - أن يتوافقوا مع سنن الله الكونية، ويرضخوا لها بدلاً من مناطحتها، وإهدار طاقتهم ووقتهم.
إن إحياء الأمة من سباتها العميق، والدفع بها إلى مكانها الطبيعي في مقدمة الركب لتقود البشرية مرة أخرى بأمر من الله، لن يتحقق من خلال جهود أفراد أو تجمعات صغيرة أو كبيرة، يغلق كل منها بابه على نفسه، ويحيطها بسياج من الأوهام التي تخدر الناس بدعوى: (إننا على الحق وغيرنا على الباطل، ونصر الله لنا آت. لأننا على الحق وغيرنا على الباطل) !!
إن الأمر أجل من هذا، والخطر أشد وأدهى من مثل هذه التصورات التي لا توافق شرعاً صحيحاً، ولا عقلاً صريحاً. وإن الأمر يحتاج إلى جهود كل هذه التجمعات والجماعات، والأفراد المخلصين لهذا الدين.
إن الحق ليس حكراً على أحد دون أحد، أو جماعة دون أخرى، - طالما أن الكل يلتزم بالإطار العام لأهل السنة والجماعة - وكل من يرى من أحد خطأ فعليه أن يهديه، ويرشده وينصحه، ما أمكنه ذلك لا أن يسفهه ويؤذيه، وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. والمطلوب من كل فرد مسلم يرى ثغراً يمكن أن يُؤتى هذا الدين من قبله فليقف عليه إن كان كفؤا له أو فليدع غيره وينبهه إليه، وعليه في الوقت نفسه أن يدع غيره يؤدي ما هو مقتنع به، ليسد ثغراً آخر يقف عليه كل حسب قدراته وكفاءته، وقناعته الشخصية التي يدين الله بها يوم الحساب. وأقل المطلوب أن يحترم كل واحد جهود الآخرين، ولا يسفهها أو يزدريها بها. وأكثر من هذا أن يوجه الآخرين لما يراه صواباً، بالحكمة والموعظة الحسنة، ويصبر عليهم. وأكثر من هذا أن يشاور غيره ويحترم رأيه - طالما هو أهل لهذا - مهما كان الاختلاف في وجهات النظر أو أسلوب العمل. واكثر من هذا أن يتعاون كل مع الآخر في المجال الذي يفيد فيه، أو يستفيد منه، وينسّق عمله حتى تصب كل الجهود في محصلة موجّهة نحو الهدف المشترك. ومنتهى المطلوب أن يتفاعل الجميع داخل جسد واحد - مهما تميز كل بشخصيته - ليفرز هذا الجسد في النهاية رأساً واحداً، يقود هذا الكيان في طريقه الصحيح فضلاً من الله ونعمة.