* فَهَذَا هُوَ الْفُرْقَانُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ، وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالْبِدْعَةِ، وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، لَكِنَّ فِيهِمْ مِنْ النِّفَاقِ وَالْبِدْعَةِ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمُوا فِيهِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الرَّسُولَ، وَلَوْ عَلِمُوا لَمَا قَالُوهُ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ، بَلْ نَاقِصِي الْإِيمَانِ مُبْتَدِعِينَ، وَخَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ، لَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَصُوا بِهِ.
* وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ وَلَا عَدْلٌ، بَلْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ إلَّا جَهْلٌ وَظُلْمٌ وَظَنٌّ .. لَكِنَّ هَذَا وَهَذَا قَدْ يَقَعَانِ فِي خَفِيِّ الْأُمُورِ وَدَقِيقِهَا بِاجْتِهَادِ مِنْ أَصْحَابِهَا اسْتَفْرَغُوا فِيهِ وُسْعَهُمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَيَكُونُ لَهُمْ مِنْ الصَّوَابِ وَالِاتِّبَاعِ مَا يَغْمُرُ ذَلِكَ، كَمَا وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ، وَالْفَرَائِضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي جَلِيِّ الْأُمُورِ وَجَلِيلِهَا، لِأَنَّ بَيَانَ هَذَا مِنْ الرَّسُولِ كَانَ ظَاهِرًا بَيْنَهُمْ فَلَا يُخَالِفُهُ إلَّا مَنْ يُخَالِفُ الرَّسُولَ، وَهُمْ مُعْتَصِمُونَ بِحَبْلِ اللَّهِ يُحَكِّمُونَ الرَّسُولَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، لَا يَتَقَدَّمُونَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَضْلًا عَنْ تَعَمُّدِ مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
* فَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مَا كَانَ ظَاهِرًا لَهُمْ، وَدَقَّ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، مَا كَانَ جَلِيًّا لَهُمْ، فَكَثُرَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا فِي السَّلَفِ، وَإِنْ كَانُوا مَعَ هَذَا مُجْتَهِدِينَ مَعْذُورِينَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ. وَقَدْ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَ مَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ لَمْ يَجِدُوا مَنْ يُعِينُهُمْ عَلَى ذَلِكَ) ج13 ص58 - 65.
* (ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة. وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض وجهل، مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته، ويثيبه على اجتهاداته، ولا يؤاخذه بما أخطأ، تحقيقاً لقوله:(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَانَا) . وأهل السنة جزموا بالنجاة لكل من اتقى الله -تعالى- كما نطق به القرآن. وإنما توقفوا في شخص معين لعدم العلم بدخوله في المتفين) ج20 ص166.
(ب) - ومنهم من خالف السنة لاجتهاد خاطئ أو تأويل بعيد:
والمخالفون للسنة منهم من يذب عن السنة، ويدافع عنها. أمام أعدائها، ولكنه أثناء ذلك قد يخالف السنة لاجتهاد خاطئ أو تأويل بعيد، فيجتمع فيه الأمران السنة والبدعة، النور والظلمة، فهذا معذور خاصة إذا غابت راية السنة الواضحة الجلية.