إلى الحق وإنما وصل القليل، فكيف لم ينظر؟ وما ذاك إلا لما علم أن أحكام الوهم ورسوخ العوائد والمألوفات تزاحم النظر الصحيح في هذا العلم مزاحمة لا ينفك الحق عنها إلا بعسر ليس فوقه عسر، ولولا التوفيق الإلهي والتأييد الربانيّ لما أدرك الخلق شيئا من معرفة من لا تكفيه العقول ولا تحدّه الأوهام - ليس كمثله شيء وهو السميع البصير - ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا -.
فإن قلت: قد نقل عن القاضي أبي بكر بن الطيب رضي الله عنه أنه قال: لا يوجد مؤمن إلا وهو عارف بالله إلا أن أحوالهم مختلفة في ذلك، فمنهم قوي ّ القريحة على أن يعبر ما في قلبه ويبرهن عليه، ومنهم من عرف الله يقينا ولا قدرة له أن يعبر على ما في قلبه، ونقل عن طائفة من أهل العلم أن الله معروف بضرورة العقل وأنه غرز معرفة وجوده في خلقه، وما أقيم من الأدلة
أي فمن فيهم قوّة على النظر كالفلاسفة والمعتزلة (قوله إلى الحق ّ) أي النسبة المطابقة للواقع (قوله وإنما وصل الخ) لما كان قوله لم يصلوا كلهم يصدق بوصول النصف أتى بقوله: وإنما الخ دفعا لذلك، والمراد بالقليل أهل السنة الأشعرية والماتريدية (قوله فكيف من لم ينظر) أي فعدم وصوله للحق أولى (قوله وما ذاك) أي سبب عدم وصولهم إلى الحق (قوله أن أحكام الوهم الخ) المناسب أن أحكام الوهم الناشئة عن العوائد والمألوفات تزاحم أحكام العقل الناشئة عن النظر الصحيح، لأن أحكام الوهم تزاحم أحكام العقل لا النظر، ومثال ذلك حكم الوهم بعدم رؤية المولى مستندا في ذلك الحكم لما جرت به العادة من أن المرئي لا يكون إلا في جهة وحكم العقل برؤيته مستندا في ذلك للنظر الصحيح، وهو أن المولى موجود وكل موجود يصح أن يرى فقد زاحم حكم الوهم حكم العقل (قوله ورسوخ العوائد) أي ورسوخ الأمور المعتادة في الأذهان ككون المرئي لا يكون إلا في جهة (قوله والمألوفات) عطف مرادف (قوله في هذا العلم) أي مسائله (قوله لا ينفك) أي ينفصل (قوله الحق) أي النسب المطابقة لما في الواقع (قوله عنها) أي المزاحمة (قوله لما أدرك الخ) الأولى من صفات إذ المعرفة هي الإدراك (قوله من لا تكفيه) أي نصفه العقول بالكيفيات الغير اللائقة، وهذا لا ينافي أنها تصفه بالصفات اللائقة كصفات المعاني (قوله ولا تحدّه الأوهام) أي لا تدرك له الأوهام حدّا ونهاية (قوله ولولا فضل الله الخ) دليل لقوله لولا التوفيق اللالهي الخ (قوله ما زكى) أي ما ظهر أحد منكم بالمعرفة.
(قوله فإن قلت الخ) هذا السؤال تقوية لمن عرّض له الشارح سابقا، وهو ابن ذكرى ورد ّ لإنكاره عليه (قوله القاضي) أي الباقلاني (قوله أنه قال الخ) أي وهذا القول عين ما نقل عن ابن ذكرى فيكون ما قاله ابن ذكرى حقا، فكيف يدّعي الشارح بطلانه(قوله إلا أن
أحوالهم)أي المؤمنين (قوله في ذلك) أي المعرفة (قوله القريحة) أي العقل (قوله على ما في قلبه) أي من العقائد التي في قلبه (قوله ويبرهن) أي يقيم البرهان (قوله ومنهم من عرف الله يقينا) أي قام بقلبه العقائد وأدلتها (قوله على) أي عن (قوله ما في قلبه) أي من العقائد وأدلتها (قوله معروف الخ) أي معروف بالعقل معرفة ضرورية لا تتوقف على دليل (قوله غرز) أي أثبت (قوله وجوده) أي وجود ذاته وصفاته (قوله في خلقه) أي مخلوقاته (قوله وما أقيم الخ) جواب عما يقال إذا المولى قد غرز معرفة وجوده في خلقه، فلا حاجة