فهرس الكتاب
الصفحة 54 من 517

يهلك من اتبعها. ثم لما أتت المبتدعة بمعاول الشبهات لتهدم به أسوار الأدلة، وبسلالم الأوهام والتخيلات لتتجاوز بها إلى حرز الدين، بالغت العلماء رضي الله عنهم في الاحتياط للدين، ونظرت بعين الرحمة لجميع المسلمين، فأفسدت عليهم تلك الشبهات ونسخت لهم تلك الأوهام والتخيلات بأجوبة قاطعة لا يجد العاقل عن الإذعان لها سبيلا، وأنفقوا رضى الله عنهم في جميع ذلك الذخائر التي حصلت لهم من الكتاب والسنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم القدوة لهذه الأمة، ولقد كان حرز الدين محفوظا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتجاسر عليه أحد يروم الاختلاس منه، وإنما تجاسر من تجاسر عند غيبته. لكن لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى ورث علماء أمته وأهل سنته من المعارف ما يدفعون به كل ّ عدوّ

الله لا يرى (قوله يهلك الخ) المراد بالهلاك ما يشمل العذاب وإن لم يكن دائما، فإن معتقد المعتزلة فيه عذاب غير دائم (قوله من اتبعها) أي اعتقدها (قوله ثم الخ) للترتيب الذكري والمعنوي: أي أنهم أتوا أوّلا يريدون فساد الدين فردّ عليهم أهل السنة بالأدلة، ثم أتوا ثانيا يريدون خدش الأدلة، وإليه أشار بقوله ثم أتت الخ (قوله بمعاول الشبهات) من إضافة المشبه به للمشبه بجامع الخدش بكل، جمع معول بوزن منبر: حديدة يقطع بها في الجبل فهي تخدشه كما أن الشبهة تخدش الأدلة وتهدمها، مثلا قول أهل السنة الله يرى لأنه موجود وكل موجود يصح أن يرى، خدشوه بقولهم الله لا يرى لأنه لو كان يرى لكان في جهة لكن التالي باطل فبطل المقدم فرد ّعليهم أهل السنة بأن الرؤية لا تستلزم الجهة عقلا بل عادة فيجوز خرق العادة ولا يرى في جهة ولا مانع من ذلك (قوله أسوار الأدلة) أي الأدلة الشبيهة بالأسوار (قوله وبسلالم الأوهام والتخيلات) أي الموهومات والمتخيلات التي هي الشبه الشبيهة بالسلالم (قوله لتتجاوز الخ) أي لتتوصل بها إلى حرز الدين فتفسده وحرز بمعنى محروز وإضافته للبيان (قوله في الاحتياط) أي الحفظ (قوله ونظرت) عطف سبب على قوله بالغت (قوله ونسخت الخ) عطف مرادف (قوله قاطعة) أي للحصم فهي أجوبة متلبسة بأدلة عقلية، ويحتمل أن قاطعة بمعنى مقطوع بها عقلية كانت أم نقلية (قوله لا يجد الخ) وصف كاشف، وقوله: عن الإذعان: أي القبول والتسليم متعلق بمحذوف: أي لا يحد العاقل طريقا يخرج به عن الأذعان لتلك الأجوبة (قوله وأنفقوا) أي العلماء المناسب تفريعه (قوله ذلك) أي ما ذكر من تقرير العقائد وإقامة الأدلة ورد الشبهات (قوله الذخائر) أي العلوم والمعارف المدخرة فقد شبهها بشيء نفيس يدّخر للعافية (قوله الذين هم القدوة) صفة للصحابة ومن المعلوم أن علوم الأئمة الأربعة لا تخرج عن علوم الصحابة، والمراد أن الصحابة قدوة في مجموع الفروع والأصول لأن الأصول لا يقلد فيها (قوله أن يتجاسر) أي من أن يتجاسر (قوله يروم الاختلاس) أي الأخذ والسرقة بمعنى الابطال بعقيدة فاسدة وفي تعبيره بالاختلاس إشارة إلى أنهم يبطلون العقيدة بحيلة فهم يشبهون المختلس الذي يأخذ الشيء خفية (قوله عند غيبته) لم يقل عند موته إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، وأن الأحسن في حقه أن يقال غاب عنا لا مات وإن لحقه الموت، وعند بمعنى بعد لأن التجاسر كان في آخر عصر الصحابة كمدّة خلافة علي ّ لا بمجرد موته صلى الله عليه وسلم (قوله من المعارف) أي الربانية فنشأ عنها قوّتهم على تقرير البراهين ورد ّ الخصوم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام