وبالجملة فالنظر يضاد العلم وجملة اضداده.
{تنبيه} ما مررنا عليه في هذه العقيدة من ان أوّل واجب النظر هو مذهب جماعة منهم الشيخ الأشعري ّ، وذهب الأستاذ وإمام الحرمين إلى أن أوّل واجب القصد إلى النظر: أي توجيه القلب إليه بقطع العلائق المنافية له، ومنها الكبر والحسد والبغض للعلماء الداعين إلى الله سبحانه وتطهير القلب من هذه الأخلاق أوّل هداية الله تعالى للعبد. وقال القاضي: أوّل واجب أوّل جزء من النظر، وقيل أوّل واجب المعرفة، ويعزي الشيخ أيضا، وهو في الحقيقة غير مختلف لما قبله لأنه نظر إلى أوّل ما يجب مقصدا، وغيره نظر إلى أوّل ما يجب امتثالا وأداء، وإنما اخترت
والغفلة (قوله وبالجملة) أي الإجمال وعدم التفصيل والباء للملابسة (قوله وجملة أضداده) أي من الجهل المركب والظن ّ والشك والوهم.
(قول تنبيه) هو اصطلاحا عنوان بحث لاحق يفهم من البحث السابق بحيث لو لم يصرح به لفهم من الأوّل بطريق الإجمال، ولغة الايقاظ، وهو المراد هنا وهو خبر لمحذوف: أي هذه الألفاظ الذهنية تنبيه: أي إيقاظ: أي موقظة، ولا يراد الاصطلاحي هنا لأنه لم يعلم من البحث السابق كون القول الأوّل لجماعة منهم الأشعري ّ على أنه لم يعلم مما سبق أن في المسألة خلافا (قوله أوّل واجب) أي أوّل فرد من أفراد الواجب (قوله وذهب الأستاذ) هو أبو اسحاق الاسفرائيني، هذا هو المراد منه متى أطلق في هذا الفن، وهو شافعي كإمام الحرمين (قوله عبد الملك(1) الجويني) لقب بذلك لمجاورته بها (قوله القصد إلى النظر) أي ارادته كما أشار إليه بقوله: أي توجيه القلب، لأن التوجيه هو الإرادة (قوله بقطع العلائق) أي توجيها ملابسا لترك الأمور المنافية له (قوله ومنها الكبر الخ) الضمير للعلائق، ومنها الاشتغال بالأمور الدنيوية، وإنما كان الكبر مانعا من القصد المذكور، لأن النظر في الغالب لا يكون إلا بمعلم وهو العالم، والكبر مانع من الأخذ عنه، وكذا يقال فيما بعده (قوله الداعين الخ) وصف كاشف إذ لا يقال عالم إلا لمن كان كذلك (قوله وتطهير الخ) تعليل أي وإنما قيدنا توجيه القلب بما ذكر لأن تطهير القلب الخ (قوله أوّل) أي أس ٌ وأصل خبر تطهير (قوله وقال القاضي) أي أبو بكر الباقلاني، وهو مالكي كالأشعري (قوله أوّل جزء من النظر) النظر القياس المركب من مقدمتين، وأوّل جزء منه المقدمة الأولى وقد يقال قد أمرنا بالنظر، وهو متوقف على مجموع المقدمتين، فيكون الواجب جملته لا أوّله فقط (قوله المعرفة) أي الجزم بعقائد الإيمان المطابق للواقع عن دليل (قوله أيضا) أي كالقول الأوّل (قوله وهو) أي القول بأن أوّل واجب المعرفة (قوله في الحقيقة) أما بالنظر للظاهر فهو مخالف (قوله غير مخالف لما قبله) أي من جميع الأقوال، فمن قال أوّل واجب النظر أراد الوسيلة القريبة، ومن قال القصد أراد الوسيلة البعيدة، ومن قال أوّل جزء من النظر أراد الوسيلة المتوسطة، ومن قال المعرفة أراد المقصد فالخلف لفظي (قوله لأنه) أي القائل بأن أوّل واجب المعرفة، فالضمير راجع لمفهوم من الكلام (قوله وغيره الخ) عطف الأداء على الامتثال مرادف ونصبهما على التمييز المحوّل عن الفاعل: أي ما يجب امتثاله وأداؤه: أي فعله ولو وسيلة وهي قريبة وبعيدة ومتوسطة كما سبق (قوله وإنما اخترت الخ) أي مع أنه قد ظهر من كلامي
(1) [قوله عبد الملك الجويني] غير موجود بنسخة الشرح التي بأيدينا اهـ مصححه