فهذه أقسام الحجة العقلية، وجعلها البيضاوي في الطوالع ثلاثة أقسام: البرهان والخطابة، وتسمى أيضا الأمارة والمغالطة، لأن الحجة العقلية، إما أن تتركب من مقدّمات قطعية، أو من مقدّمات ظنية، أو من شبيهة بأحدهما، وتسمى الأولى: برهانا ودليلا، والثانية: خطابة وأمارة، والثالثة: مغالطة، وبالجملة فالمعتمد من هذه الأقسام في تصحيح العقائد الدينية القسم الأوّل الذي هو البرهان، فلذا قلت من البراهين ووصفتها بالقاطعة لكشف معناها، وإنما عطفت عليها الأدلة عطف عام على خاص لتدخل في ذلك الأدلة النقلية فيما تقبل فيه من العقائد، وذلك كل ّ ما لا تتوقف المعجزة عليه كنفي النقائص عنه تعالى وثبوت الوحدانية له
فلا تكفر: أي باعتقاد تأثير الأمور المعتادة بذاتها: كاعتقاد أن النار تؤثر بطبعها (قوله فهذه) أي الخمسة المذكورة أقسام الخ، وهذا قد علم مما تقدم، وذكر توطئة لقوله وجعلها الخ والمراد أنه جعل هذه الثلاثة أقساما للحجة من حيث المادة، وتقدم أن لها ثلاثة أقسام أخرى من حيث الصورة (قوله وجعلها) أي الحجة (قوله الأمارة) لأنها لكون مقدماتها غير قطعية علامة على النتيجة (قوله قطعية) أي مقطوعا ومجزوما بها ابتداء بأن كانت ضرورية أو انتهاء بأن كانت نظرية وانتهت إلى الضرورة (قوله ظنية) أي كلها أو بعضها: أي مظنونا ثبوت نسبتها، وأسقط الشارح من عبارة الطوالع أو مشهورة (قوله بأحدهما) عبارة الطوالع بأحدها: أي العقلية والظنية والمشهورة (قوله ودليلا) هذا اسم عام له ولغيره فلا يلتفت إليه ... (قوله مغالطة) ويدخل فيها الشعر. وأما الجدل: فيدخل في البرهان إن تركب من مقدّمات يقينية مشهورة، وفي الخطابة إن تركب من مقدّمات ظنية مشهورة (قوله وبالجملة) أي وأقول قولا متلبسا بالإجمال بقطع النظر عن كون أقسام الحجة خمسة أو ثلاثة (قوله فالمعتمد) أي المعول عليه من تلك الأقسام (قوله العقائد الدينية) أي المنسوبة للدين من نسبة الجزئي للكلي ومراده بتلك العقائد التي يعتمد في تصحيحها على البرهان خصوص ما تتوقف المعجزة عليه لتعبيره بالبرهان الذي هو الدليل العقلي. وأما العقائد التي لا تتوقف المعجزة عليها: كالسمع والبصر والحشر والنشر، فتصحيحها لا يتوقف على البرهان، بل على الدليل النقلي، والمراد بتصحيح العقائد إثباتها على وجه الجزم بها. ثم إن جعل العمدة في تصيح العقائد البرهان الذي مقدماته يقينية مبنى على القول بأن التقليد لا يكفي، وأن المقلد كافر، وهو قول ضعيف (قوله ووصفتها الخ) لأن القاطعة معناها المقطوع بها، والبرهان هو القياس الذي مقدّماته مقطوع ومجزوم بها (قوله لتدخل الخ) أي فالباعث على ذكر الأدلة التي هي عامة دخول الأدلة النقلية فيها (قوله فيما تقبل) أي في العقائد التي تقبل الأدلة النقلية فيها، فقوله: من العقائد بيان لما، وقوله: تقبل صلة أو صفة جرت على غير من هي له، فكان الواجب الابراز (قوله وذلك) أي العقائد التي تقبل الأدلة النقلية فيها (قوله كل ما) أي كل ّ عقيدة (قوله كنفي النقائص) أي التي يكون نفيها بالدليل النقلي، وهي الصمم والبكم والعمى، لأن أضدادها من السمع والبصر
والكلام إنما ثبتت بالدليل النقلي، فلا يرد أن من جملة النقائص العجز والجهل، ونفي ذلك تتوقف المعجزة عليه، لأن نفي العجز بالقدرة ونفي الجهل بالعلم والمعجزة تتوقف عليهما، ولو قال الشارح بدل قوله: كنفي