(ص) وتقديرها حوادث لا أوّل لها يؤدّي إلى فراغ مالا نهاية له عددا قبل ما وجد منها الآن. لكن فراغ العدد يستلزم انتهاء طرفيه، ففراغ مالا نهاية له من عدد الحوادث محال فما توقف الآن عليه من وجود الحوادث يجب أن يكون محالا، فيلزم أن تكون عدما مع تحقق وجودها.
(ش) اعلم أن الملل كلها أجمعت على حدوث كل ما سوى الله جل وعلا حتى اليهود والنصارى وحتى المجوس ولم يخالف في ذلك الاشر ذمة من الفلاسفة وتبعهم على ذلك
(قوله وتقديرها حوادث) دفع لاعتراض من الفلاسفة وارد على كبرى الدليل المستدل به على حدوث العالم القائلة، وكل من صفاته حادثة فهو حادث. وحاصل الاعتراض أن هذه الكبرى لا تتم ّ إلا لو كانت هذه الصفات الحادثة لها أوّل، والموصوف بها كذلك لأنه لو كان قديما لزم عروّه عنها قبل حدوثها، وعروّ الموصوف عن صفته باطل، مثلا الفلك قديم وحركاته حادثة لا أوّل لها لأنه ما من حركة إلا وقبلها حركة ولا مبتدأ لتلك الحركات، وإن كانت حادثة، فلم يلزم من حدوث الأعراض حدوث الأجرام التي لازمت. وحاصل الدفع أن تقول لو قدرت صفات العالم لا أوّل لها لأدى ذلك إلى فراغ مالا نهاية له عددا قبل الموجود منها الآن. لكن فراغ مالا نهاية له باطل، فبطل وجود حوادث لا أّوّل لها، فقول المصنف: وتقديرها حوادث لا أوّل لها مقدم الشرطية. وقوله: يؤدي الخ وهو التالي لأنه في قوة قوله: لو كانت الأعراض حوادث لا أوّل لها لأدى ذلك إلى فراغ الخ. وقوله: وفراغ الخ هو الاستثنائية، فكان الواجب ادخال لكن عليها، والمصنف أدخله على دليلها وهو غير مناسب. وحاصل دليل هذه الاستثنائية أنه إنما كان فراغ مالا نهاية له من عدد الحوادث محالا لأنه متى فرغ العدد وانتهى طرفه استلزم انتهاء طرفه الثاني فيكون له أوّل وآخر والفرض أنه لا نهاية له ولا أوّل فيلزمه الجمع بين متنافيين، وقد يقال لا يلزم من انتهاء طرف شيء انتهاء طرفه الثاني، فالأولى أن يقال في دليلها إنما كان فراغ مالا نهاية له باطلا للجمع بين النقيضين لأن الفراغ يقتضي النهاية وكون الشيء لا نهاية له يقتضي عدم الفراغ وعدم النهاية، وقد يقال شرط التناقض اتحاد الجهة وهي هما غير متحدة لأن عدم النهاية من جانب المبدا: أي الأزل، والفراغ والنهاية من جانب مالا يزال: أي من جانب المستقبل (قوله فما توقف الآن عليه) أي على الفراغ، وهذا إشارة إلى لازم ثان فكان عليه أن يأتي به على وجه يشير إلى ذلك بأن يقول وكما لزم عليه محال من جهة التنافي يلزمه محال آخر من جهة اقتضائه عدم وجود حركة للفلك اليوم مثلا مع أنها موجودة بالمشاهدة ولكنها متوقفة على فراغ ما قبلها من الحركات التي لا أوّل لها وفراغ الحركات التي لا أوّل لها باطل للتنافي والمتوقف على الباطل باطل (قوله أن الملل) أي الأديان: أي أهلها (قوله الأشر ذمة) أي طائفة قليلة من الفلاسفة فإنها لا تقول بحدوثه: أي وجوده بعد عدم وهذه الأشر ذمة افترقت إلى ثلاث فرق إذ منها من قال إن بعضه قديم ... بالزمان: أي لا أوّل له وبعضه حادث بالذات والزمان فإن الغير أثر فيه بالطبع أو التعليل. ومنها من قال إن العلوي منه كالأفلاك قديم بالذات والصفات، والسفلى منه بعضه قديم بالزمان وبعضه حادث بالذات والزمان، ومنها من قال إنه قديم بالذات حادث بالصفات فهؤلاء الفرق الثلاث