بعض من ينسب نفسه للإسلام وليس له فيه نصيب، والاشتغال بتفصيل مذاهبهم في ذلك يطول. والحاصل منه أن قدماءهم أثبتوا قدماء خمسة: واجب الوجود، وسموه عقلا ثم نفسا وهيولي ودهرا وخلاء، وصار جماعة من متأخريهم إلى أن العالم العلوي قديم بذاته وصفاته إلا الحركات فإنها حادثة بأشخاصها قديمة بأنواعها، فلا حركة إلا وقبلها حركة لا إلى أوّل. وأما العالم السفلي وهو عالم الكون والفساد، وهو ما تحت مقعر فلك القمر، فقالوا إن هيولاه قديمة، وكل ّ ما فيه من الصور والأعراض حادثة بأشخاصها قديمة بأنواعها، فلا ولد إلا وقبله والد، ولا بيضة إلا من دجاجة، ولا دجاجة إلا من بيضة، ولا زرع إلا من بزر، وتوقف جالينوس في قدم ما ادعوا قدمه ومذاهبهم ركيكة جدا لا يرضى بمالتهم مؤمن، بل ولا مطلق عاقل إلا من سلب عقله وايمانه فإنه لا حول ولا قوّة إلا بالله، فاذا عرفت هذا فقولنا وتقديرها حوادث لا مبتدأ لها: أي تقدير صفات العالم اعتراض من الفلاسفة على كبرى الدليل الذي استدللنا به على حدوث العالم، وهي قولنا وكل من صفاته حادثة فهو حادث، ووجه الاعتراض أنهم قالوا أنهم لا نسلم أن من صفاته حادثة فهو حادث قولكم
كلهم أقل ممن يقول من الفلاسفة ما سوى الله مسبوق بالعدم (قوله بعض الخ) كابن سينا والفارابي (قوله في ذلك) أي قدم العالم (قوله والحاصل) أي على طريق الاجمال (قوله منه) أي من تفصيل مذاهبهم (قوله أن قدماءهم) أي الفلاسفة: أي القدماء من هذه الشرذمة ... (قوله خمسة) أي وما عداها حادث: أي موجود بعد عدم (قوله واجب الوجود) أي القديم الأوّل وهو الله، وهو عندهم قديم لذاته وما عداه فهو قديم بالزمان حادث بالذات (قوله وسموه عقلا) ليس أحد العقول العشرة عند من أثبتها لأنها أثر واجب الوجود ولا يسميه عقلا (قوله ثم نفسا) عطف على واجب الوجود، والمقصود به مفعول واجب الوجود الأوّل، وعبر بثم لأن النفس وما بعدها عند هذه الفرقة أثر واجب الوجود أثر فيها بطريق التعليل مباشرة في أوّلها وبالواسطة في غيره فكل واحد أثر فيما بعده، والنفس عندهم جوهر مجرد من الجسمية والعرضية يدبر الجسم لعلاقته به (قوله وهيولى) هي المادّة التي تتوارد عليها الصور كالخشب والشريط للسرير (قوله ودهرا) المراد به الزمن وهو الفلك عندهم (قوله وخلاء) هو الفراغ الذي وراء العالم فهو موجود متصف بالقدم عندهم بمعنى أنه لا أوّل له وأهل السنة لا يثبتونه (قوله العالم العلوي) أي الأجسام الفلكية (قوله إلا الحركات) أي حركات الأفلاك (قوله وهو عالم الكون والفساد) أي العالم الذي يحصل فيه الكون: أي الوجود، والفساد: أي العدم للصور الشخصية، وأما الهيولي فهي باقية على حالها لا يقع فيها فساد (قوله مقعر) أي أسفل (قوله فلك القمر) هو سماء الدنيا (قوله هيولاه) أي مادّته (قوله من الصور) جمع صورة وهي عندهم جوهر مجرد لا يمكن انفكاك الهيولي عنه ولا انفكاكه عن الهيولي كالمائية فاذا انقلبت لبنا كان هو الصورة (قوله والاعراض) كالبياض والسواد (قوله فلا ولد الخ) أي لأنه إذا كانت الهيولي قديمة ونوع الصور والأعراض كذلك كان حينئذ ما من ولد الخ فالأشخاص كزيد وعمر حادثة ونوعها قديم، وسيأتي إبطال هذا بأن النوع لا تحقق له إلا في أفراده ومتى كانت الأفراد حادثة كان النوع كذلك (قوله جالينوس) بفتح اللام كان في زمن عيسى عليه السلام (قوله اعتراض الخ) أي منع منهم لتلك الكبرى (قوله قولكم) أي