لا خسة فيها، فجوّزها عمدا وسهوا الأكثرون، وبه قال أبو جعفر الطبري من أصحابنا، ومنعه طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين عمدا أو سهوا، قالوا لاختلاف الناس في الصغائر لأن جماعة ذهبوا إلى أن كل ما عصى الله به فهو كبيرة، ولأن الله أمر باتباعهم وأفعالهم يجب الاقتداء بها عند أكثر المالكية وبعض الشافعية والحنفية، فلو جازت منهم المعصية لكنا مأمورين باتباعهم فيها. قلت: وبهذا تعرف عدم جواز وقوع المكروه منهم، فالحق ان أفعالهم دائرة بين الوجوب والندب والاباحة وليس وقوع المباح منهم كوقوعه من غيرهم، وهو أن يقع منهم بحسب مقتضى الشهوة، بل لعظيم معرفتهم بالله تعالى وخوفهم منه واطلاعهم على مالم يطلع عليه غيرهم لا يصدر منهم المباح إلا على وجه يصير في حقهم طاعة وقربة كقصدهم تشريعه أو التقوّى به على طاعة الله ونحو ذلك مما يليق بمقاماتهم الرفيعة، وإذا كان أهل المراقبة من أولياء الله تعالى بلغوا في الخوف منه تعالى ورسوخ المعرفة ما منعهم أن تصدر منهم حركة أو سكون في غير رضاه تعالى فكيف بأنبيائه تعالى ورسله صلوات الله وسلامه على جميعهم.
(ص) {فصل} ونبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم قد علم ضرورة ادعاؤه الرسالة وتحدّى بمعجزات لا يحاط بها.
(ش) نظم الدليل في إثبات نبوّة نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم أن يقال: نبينا ومولانا
الشيء مأمورا به ومنهيا عنه، وعند المعتزلة أن صدور المعصية عنهم مما يحقرهم في أعين الناس ويمنع من اتباعهم، وهذا خلاف ما تقتضيه الحكمة في بعثة الرسل فيكون صدورها عنهم قبيح عقلا (قوله لا خسة فيها) أي لا دناءة كقبلة اجنبية (قوله لاختلاف الناس في الصغائر) أي في حقيقتها، فالشيء ربما رآه البعض صغيرة والبعض كبيرة فلا تتحقق الصغيرة بالنظر للناس كلهم فكان الأسلم منع الجميع وتنزيه منصبهم الرفيع عنه (قوله فهو كبيرة) أي نظرا لمن عصى بذلك، وليس هؤلاء الجماعة شيء من الذنوب صغيرة (قوله وأفعالهم الخ) مبتدأ وخبر وهو عطف على قوله ولأن الله الخ (قوله فلو جازت منهم الخ) الأولى فلو وقعت منهم (قوله وبهذا) أي التعليل الأخير، وهو أنه لو وقعت منهم معصية لأمرنا باتباعهم فيها، فنقول أيضا لو وقع منهم مكروه لأمرنا باتباعهم فيه فينقلب طاعة. لكن انقلاب المكروه طاعة محال لأنه يصير مأمورا به منهيا عنه (قوله أن أفعالهم) أي صفتها (قوله والاباحة) أي إباحة الفعل في حد ّ ذاته فلا ينافي كونه طاعة منهم (قوله وإذا كان الخ) هذا تأييد لما قبله، والمراقبة دوام استحضار المرء اطلاع الله سبحانه على جميع أحواله ظاهرة كانت أو باطنة.
(قوله: فصل)
أي في بيان اثبات الرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي تستلزم النبوّة (قوله ونبينا) أي أمة الإجابة (قوله ومولانا) أي ناصرنا (قوله قد) للتحقيق (قوله علم) أي عرف (قوله ضرورة) أي بالضرورة وسند ذلك التواتر (قوله بمعجزات) أي خوارق (قوله لا يحاط بها) إذ من جملة ما تحدّى به القرآن وهو باعتبار ما اشتمل عليه لا يحاط به (قوله في اثبات)