كقولنا محمد صلى الله عليه وسلم ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده. وهذا القسم مركب من القسم الثاني والثالث، فهذه الأقسام الستة منها يتركب البرهان والغرض منه حصول العلم اليقيني. وأما الجدل: فهو ما تألف من مقدمات مشهورة والمقدمات المشهورة ما اعترف بها الجمهور لمصلحة عامة أو لسبب رقة أو حمية كقولنا هذا ظلم وكل ظلم قبيح فهذا القبيح، وهذا كاشف لعورته، وكل كاشف لعورته فهو مذموم فهذا مذموم، وهذا فقير وكل فقير تحمد مواساته، فهذا تحمد مواساته، وهذا قتل أخوه ظلما، وكل من قتل أخوه ظلما حسن أن يقتل قاتله، فهذا حسن أن يقتل قاتله، والغرض من الجدل إما اقناع قاصر عن البرهان أو إلزام الخصم ودفعه.

فيجوّز ذلك (قولنا كقولنا الخ) فالحكم بدعواه النبوّة واظهار المعجزات على يديه إنما يجزم به العقل بواسطة حس السمع من المخبرين وبواسطة القياس الحاضر في الذهن، وهو أن ذلك الخبر خبر جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب وكل ما هو كذلك فهو مقطوع به (قوله الثاني) هو الحسيات: أي ما كان الجزم فيه بواسطة الاحساس بالحاسة، وقوله: والثالث هو ما كان الجزم فيه بواسطة قياس ذي وسط حاضر في الذهن ملاحظ مع المقدمات وهو القضايا التي قياساتها معها (قوله اليقيني) نسبة لليقين بمعنى العلم ففيه نسبة الشيء لنفسه مبالغة، والمراد باليقين متعلقة وهو المعلوم (قوله وأمّا الجدل الخ) عبر بأمّا لتغاير المتعاطفين لأن البرهان نظر في مقدماته لإفادة اليقين، وأمّا الجدل فقط لوحظ في مقدماته الشهرة، وإن كانت في الواقع يقينية (قوله فهو ما) أي قياس منطقي (قوله من مقدمات) المراد بالجمع ما فوق الواحد، وقوله: مشهورة: أي كلها أو بعضها: أي منظور فيها للشهرة وإن كانت في الواقع يقينية وكان عليه أن يزيد أو مسلمة كقولنا استصحاب الحكم الأصلي حجة ليكون التعريف جامعا ... (قوله الجمهور) أي الكثير من الناس (قوله لمصلحة الخ) أي أو شرع أو عادة (قوله أو لسبب رقة) أي شفقة والإضافة للبيان (قوله حمية) أي تعصب (قوله كقولنا هذا ظلم الخ) هذا وما بعده المشهور من مقدماته الكبرى فقط وشهرتها بسبب المصلحة العامّة، لأن الاعتراف يؤدي لعدمه فيرتفع البلاء عن الناس ويكثر الخصب، والاعتراف بذم كشف العورة يؤدي لعدم كشفها وذلك يؤدي لعدم الشهوة وهو يؤدي لعدم الزنا وهو يؤدي لعدم اختلاط الأنساب وهو يؤدي لتعاهد الآباء لأولادهم بالإنفاق وهو يؤدي لحفظهم (قوله وهذا فقير الخ) هذا القياس مقدمته الكبرى مشهورة بسبب الشفقة لأن قوله: وكل فقير الخ. الحامل على الاعتراف به الرقة والشفقة (قوله وهذا قتل الخ) كبراه مشهورة، والحامل على الاعتراف بها الحمية على الأخذ بالثأر (قوله حسن أن يقتل قاتله) حسن فعل ماض أو صفة مشبهة خبر عن كل، ويقتل مبني للفاعل وفاعله ضمير عائد على المبتدأ وقاتله مفعوله وضمير قاتله عائد على الأخ المقتول (قوله اقناع الخ) من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي يقنع مقيم القياس الجدلي ّ من هو قاصر عن إدراك البرهان (قوله قاصر عن البرهان) أي عن ادراكه لو ذكر له لبلادته

مثلا (قوله أو إلزام الخصم) كما لو ادّعى مالكي طهارة فضلة بهيمة الأنعام، فقال شافعي لا تسلم ذلك، فيقول الأّوّل للثاني أنت قاصر عن إدراك لو كانت نجسة للزم الحرج في الدين لكثرة ملابسة الناس لها