هذا كله في النظر الصحيح. أمّا الفاسد فإن كان لعدم تمامه لم يستلزم شيئا افاقا، وكذلك إن كان لفساد نظمه كالاستدلال بجزئيتين أو سالبتين، وإن كان لخلل في مادته فقولان مشهورهما أنه لا يستلزم الجهل، وهو رأي المتكلمين، وقيل يستلزمه وهو رأي المنطقيين وهو الصحيح، وما احتج به المتكلمون من اختلاف الشبة بحسب أن الناظر فيها
أي كلام الطوالع (قوله هذا) أي ما ذكر من أن النظر يفيد العلم في المنظور فيه مطلقا أولا يفيد مطلقا أولا يفيد في الالهيات في النظر الصحيح، فالإشارة راجعة إلى ما تضمنه البحث السابق من قوله: وحقيقة النظر الخ (قوله أما الفاسد) أي أما النظر الفاسد (قوله فإن كان) أي فساده (قوله لعدم تمامه) بأن لم يذكر بعض مقدّماته كالكبرى لموت أو جنون أو نسيان أو تركها اختيارا وتسمية غير التام نظرا بحسب قصد المتكلم، فانه أراد ابتداء النظر ثم عرض له ما يمنع التمام (قوله وكذلك الخ) تشبيه غير تام ّ لوجود الخلاف حينئذ بالاستلزام وعدمه، وإن كان يتوهم من التشبيه أن عدم الاستلزام في هذا متفق عليه أيضا (قوله لفساد نظمه) أي هيئته وصورته (قوله كالاستدلال بجزئيتين) نحو: بعض الانسان حيوان وبعض الحيوان فرس، فالنتيجة وهي بعض الإنسان فرس كاذبة. فلو قلت بدل الكبرى وبعض الحيوان ناطق كانت النتيجة صادقة، فعدم اطراد صدقها دليل على عدم استلزامه لشيء (قوله أو سالبتين) نحو: لا شيء من الإنسان بفرس ولا شيء من الفرس بناطق، فالنتيجة: وهي لا شيء من الإنسان بناطق كاذبة، ولو قلت بدل الكبرى: ولا شيء من الفرس بحجر كانت النتيجة: وهي لا شيء من الإنسان بحجر صادقة، فعدم اطراد صدقها دليل على عقم القياس المركب مما ذكر وعدم استلزامه لشيء (قوله وإن كان) أي فساد الدليل (قوله بخلل في مادّته) بأن كانت المقدمتان كاذبتين أو إحداهما كاذبة (قوله فقولان) أي باستلزامه لشيء معين وعدم استلزامه لذلك (قوله أنه لا يستلزم الجهل) أي لا يستلزم النسبة الباطلة، بل تارة ينتج الباطل وتارة لا، وذلك نحو: كل إنسان ماء وكل ماء ناطق، فالنتيجة: وهي كل إنسان ناطق صادقة والمقدمتان كاذبتان ولو قلت بدل الكبرى وكل ماء فرس، فالنتيجة كاذبة كالمقدمتين، ومثال ما إذا كانت إحداهما صادقة كل إنسان حيوان، وكل حيوان فرس، فنتيجته وهي كل إنسان فرس كاذبة، ولو قلت كل إنسان حيوان وكل حيوان ناطق كانت النتيجة صادقة، هذا ولو بدل قوله الجهل بقوله شيئا لوافق مذهب المتكلمين في أنه لا يستلزم شيئا لاضطراب نتيجته واضطرابها دليل على عقمه وعدم استلزامه لشيء، ولك أن تقول في الكلام حذف، والأصل لا يستلزم الجهل ولا غيره ... (قوله وقيل يستلزمه) أي في بعض الأوقات إذ هو قد يستلزم الصدق في بعض آخر إذ المنطقيون يقولون باستلزامه شيئا آخر يكون صادقا وتارة كاذبا (قوله وما احتج به المتكلمون) أي على عدم استلزام الدليل فاسد المادّة لشيء. وحاصل الاحتجاج أنا وجدنا فاسد المادّة تارة
يستلزم الجهل وتارة يستلزم الشك وتارة لا يستلزم شيئا، فله ثلاثة أحوال مختلفة وما اختلف حاله لا يرتبط بشيء معين، وحينئذ فلا يصح القول بأنه يستلزم الجهل (قوله من اختلاف الشبهة الخ) بيان لما، والشبهة النظر الفاسد كقول الفلاسفة: العالم معلول لعلة قديمة،