فيكون أيضا دفعا للألم، فالجواب أن لذات الآخرة يشبه بعضها لذات الدنيا في الصورة ويخالفها في الحقيقة كما أنه لا شركة بينهما إلا في الأسماء، وحينئذ لا يلزم اشتراكهما في دفع الألم.
{تنبيهان: الأوّل} ذهب الامام الفخر إلى أنه لم يثبت بدليل قطعي عقلي أو نقلي أن الله سبحانه يعدم الأجزاء ثم يعيدها، واحتج غيره ممن جزم بعدمها بقوله تعالى - كل شيء هالك إلا وجهه - والهلاك الفناء، والأجزاء من جملة الأشياء فتكون فانية. وجوابه: لا نسلم أن الهلاك هو الفناء فقط، بل التفريق أيضا هلاك. الثاني إذ قلنا بعدم الأجسام، فالمعاد عين تلك الأجسام المعدومة لا مثلها، وإلا لزم أن المثاب أو المعذب غير هذه الأجسام التي أطاعت أو عصت، وهو باطل بالإجماع، واختلف أصحابنا في اعادة أعيان الأعراض والصحيح اعادة أعيانها. وقال ابن العربي في سراج المريدين: الذي عند أهل السنة أن تلك الأجسام الدنيوية تعاذ بأعيانها وبأعراضها بلا خلاف بينهم. قال بعضهم بأوقاتها، فيعاد الوقت أيضا كما يعاد الجسم واللون، وذلك جائز في حكم الله وقدرته وهين عليه جميعه. ولكن لم يرد بإعادة الوقت خبر، وقد قال الله تعالى في القرآن ما يدل ّ على أن الوقت لا يعاد، وهو قوله تعالى - كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها - يعني به غيرها في الوقت، وإلا فالجلود الأوائل بأعيانها التي نضجت هي التي يعاد أبدا تأليفها إذا تفرقت وأعيانها إذا عدمت،
أي لأنها جارية على مثل هذا الشبح الدنيوي (قوله فيكون أيضا دفعا للألم) أي كما أن لذات الدنيا لدفع الألم (قوله بينهما) أي لذات الدنيا ولذات الآخرة وكأنه أطلق اللذات على الملذوذات كالعسل والخمر والعنب والرمان (قوله ثم يعيدها) أي يوجدها: يعني ولم يثبت نفي ذلك ولا ثبت أنه يفرقها ثم يجمعها فوجب الوقف، وهذا مختار امام الحرمين وهو أنا نقطع بأن الأجسام تعاد كما هو العقيدة ولا نجزم بعد ذلك بأنه عن عدم محض أو عن تفريق بل تتوقف لعدم دليل يعين أحدهما وتبعه المحققون (قوله بل التفريق أيضا هلاك) أي لأنه ازالة للجملة والهيئة التركيبية فصدق عليه الهلاك، وحينئذ فلا يتم ّ ذلك الاحتجاج (قوله فالمعاد الخ) الذي انحط عليه كلام حواشي العقائد أن المعاد هو الأجزاء الأصلية من العناصر الأربعة لكن في قالب وهيكل آخر مماثل للأوّل لا أنه عينه (قوله أصحابنا) أي أهل السنة (قوله والصحيح إدعاة أعيانها) مقابله القول بأنها لا تعاد (قوله وهين عليه) عطف على جائز (قوله يعني به غيرها الخ) لما كان المتبادر من قوله جلودا غيرها أن المراد جلودا غير الجلود بحسب الذات وهذا غير مراد أتى بالعناية لإفادة أن الجلود الثانية عين الأولى بحسب الذات والغيرية إنما هي باعتبار الزمان فالزمان الذي أعيد فيه الجلد ثاني إعادة أو ثالث إعادة مثلا غير الزمن الذي حصل فيه أول إعادة وإن كان المعاد ثانيا وثالثا هو شخص الأوّل فلو كان الوقت يعاد لكان الجلد الأوّل يعاد بوقته فلا يكون ذلك المعاد غيرا لا بحسب الذات ولا بحسب الوقت والمولى قد قال جلودا غيرها والغيرية بحسب الذات باطلة فتعين أنها بحسب الوقت والغيرية بحسب الوقت لا تتأتى إلا عند عدم إعادة الوقت، وحينئذ فالوقت لا يعاد وإذا كانت أوقات الآخرة لا تعاد فكذا أوقات