وإلى مثلها من دقائق العذاب، وما احتوت عليه جهنم من أنواع العذاب التي لا تكيف كل ّ ذلك لا يوجب له سبحانه تجدّد كمال لذاته ولا لصفة من صفاته حتى يجب عليه ذلك. بل كل ّ كمال يليق به فلم يزل متصفا به في الأزل ومالا يزال ولا يوجب له فعله أو تركه نقصا حتى يستحيل عليه، وأما فائدتها بالنسبة إلينا فهي مستوية في دلالتها لنا على وجوده تعالى ووجود صفاته العلية وسعة جلاله وعظيم جلاله بل لم يزدنا وقوع النوعين وخلقه تعالى الأضداد إلا قوّة علم بعظيم اختياره وسعة ملكه وأنه ليس مجبورا على فعل من الأفعال.
(ص) ومن هنا تعلم استحالة أن يكون فعله تعالى لغرض لأنه لو كان له غرض في الفعل لأوجبه عليه، وإلا لم يكن علة له فيكون مقهورا كيف وربك يخلق ما يشاء ويختار، وأيضا فالغرض إما قديم فيلزم قدم الفعل، وقد مر ّ برهان حدوثه أو حادث فيفتقر إلى غرض ثم كذلك ويسلسل فيؤدّي
مضى من الزمان والبال القلب (قوله وإلى مثلها من دقائق العذاب) ظاهر الأسلوب أنه عطف على قوله إلى الثواب، والمناسب لذلك أن لو قال: وإلى مثله، وفي إطلاق المثل على المغاير تجوّز (قوله جهنم) أراد بها دار العذاب (قوله كل ذلك الخ) المناسب تجد كل ذلك: أي ما ذكر من أنواع النعيم وأنواع العذاب لأنه لم يأت بجواب ذا (قوله لا يوجب الخ) أي وإنما يكون دالا على الكمال القائم بذاته تعالى وعلى سعة ملكه وانقياد جميع الكائنات إليه (قوله بل كل كمال الخ) اضراب انتقالي (قوله وأما فائدتها) أي الدقائق، والمناسب للسياق أن لو قال: وفائدتهما: أي النوعين من الثواب والعقاب (قوله وسعة جلاله الخ) مرجع الجلال في حقه تعالى للقهر والغلبة ومرجع الجمال إلى الانعام (قوله بل لم يزدنا الخ) اضراب انتقالي ّ والكلام على حذف مضاف: أي لم يزدنا سبب وقوع النوعين اللذين هما الثواب والعقاب وسببهما هو الطاعة والمعصية، وإنما قدر المضاف لأن ظاهر العبارة يقتضي وجود النوعين وتحققهما الآن مع أنه ليس كذلك (قوله وخلقه تعالى الأضداد) أي الأمور المتضادة، وهذا عطف تفسير لوقوع سبب النوعين لأن الطاعات مضادة للمعاصي (قوله وأنه ليس مجبورا) فيه رد ّ على المعتزلة الذين أوجبوا عليه مراعاة الصلاح والأصلح لأنه لو وجب عليه شيء كان مجبورا فلا يكون فاعلا بالاختيار وصدور الأمور المتضادة عنه يدل ّ على أنه مختار لأنه لو كان فاعلا بالعلة أو الطبيعة لكان الصادر عنه شيئا واحدا، لأن معلول العلة ومطبوع الطبيعة لا يختلف لأن تأثيرهما بالمناسبة، والشيء الواحد لا يناسب الضدّين (قوله ومن هنا) هو عدم وجوب شيء من الأفعال عليه تعالى: أي من أجل ذلك (قوله لغرض) هو الباعث على الفعل (قوله لأنه) أي الله (قوله لأوجبه) أي لأوجب الغرض الفعل (قوله عليه) أي الله (قوله وإلا) أي وان لم يوجبه عليه (قوله فيكون مقهورا الخ) دليل للاستثنائية المحذوفة: أي لكن التالي باطل لأنه لو أوجب الغرض الفعل عليه لكان مقهورا كيف يكون مقهورا: أي لا يصح ذلك، والحال أن ربك يخلق ما يشاء ويختار فالاستفهام انكاري والواو بعده للحال (قوله فيلزم قدم الفعل) لأن الغرض علة وشأن المعلول أن يقارن علته في الخارج وإن كانت علته متقدمة عليه تعقلا (قوله وقد الخ) الواو للحال (قوله أو حادث الخ) وجهه