بين الشرع ما اختار سبحانه أن تدل ّ عليه من غير أن يكون بينهما ربط عقلي وتسمية الثواب والعقاب جزاء لأنهما في صورة الجزاء لسبق ما يدل ّ عليهما شرعا، وقد ورد أنه سبحانه يخلق لفضلة النار قوما يعذبهم بها ولفضلة الجنة قوما ينعمهم بها من غير أن يسبق عمل للفريقين.
(ص) وكلا النوعين دال ّ على سعة ملكه وانقياد جميع الممكنات لإرادته وعدم تعاصيها على باهر قدرته كل ّ منها واقع على ما ينبغي من جريه على وفق علمه وإرادته من غير أن يتجدّد له بذلك كمال أو نقص لا حالا ولا مآلا فالوجوب إذن والظلم عليه محالان إذ الوجوب يستدعي تعاصي بعض الممكنات والظلم يستدعي التصرف على خلاف ما ينبغي.
(ش) مراده بكلا النوعين الثواب والعقاب: أي إذا نظر إلى الثواب وما احتوت عليه الجنة من دقائق النعم الخارقة للعوائد التي لم تخطر قط على بال
أي الأفعال (قوله بين الشرع) أي بها (قوله ما اختار) ما واقعة على الثواب والعقاب وضمير تدل الآتي للأفعال، فالصلة جرت على غير من هي له (قوله بينهما) أي بين الفعل وما تدل عليه من ثواب أو عقاب (قوله وتسمية الخ) هذا جواب عن سؤال وارد على مضمون قوله وما أثيب عليه منها وعلى سنده. وحاصله كيف تقولون إن الثواب بمحض الفضل والعقاب بمحض العدل والأفعال علامة مخلوقة لله تعالى، وقد جاء تسمية الثواب والعقاب جزاء، والجزاء إنما يكون في مقابلة الأعمال (قوله لسبق ما يدل عليهما) أي لسبق ما يدل على الثواب والعقاب وهو الأعمال، فالطاعة تدل ّ على حصول الثواب لفاعلها، والمعصية تدل ّ على حصول العقاب لفاعلها (قوله وقد ورد الخ) ترشيح لقوله سابقا وما أثيب عليه من الأعمال أو عوقب الخ (قوله يخلق الخ) قد نوزع في الشق الأوّل والمعوّل عليه أن النار تنزوي ويضم بعضها لبعض فتصير ممتلئة، وأما الشق الثاني فهو ثابت بلا نزاع (قوله لفضلة النار) أي للبقعة الخالية منها (قوله وكلا النوعين) أي الثواب والعقاب (قوله على سعة ملكه) أي على ملكه الواسع أي على كثرة مملوكاته التي من جملتها الجنة وما فيها من أنواع النعيم والنار وما فيها من أنواع العذاب (قوله وانقياد الخ) أي ان الثواب والعقاب كل منهما يدل ّ على انقياد جميع الممكنات ما وجد منها ومالم يوجد لقدرته تعالى وإرادته، وذلك لأن الممكنات بعضها يثاب بدخول الجنة وبعضها يعاقب بدخول النار وبغير ذلك كالبهائم، فدل ذلك على انقيادها لقدرته وإرادته، ثم إن انقياد ما وجد من الممكنات لقدرته وارادته ظاهر. وأما انقياد مالم يوجد منها للقدرة والإرادة فبطريق التماثل بين الممكنات (قوله وعدم تعاصيها) أي الممكنات (قوله على باهر قدرته) أي قدرته الباهرة: أي الغالبة (قوله كل منها) أي الممكنات (قوله على ما ينبغي) أي على الوجه الذي ينبغي وقوعه عليه (قوله بذلك) أي بما ذكر من الممكنات (قوله كمال) أي في ذاته وصفاته (قوله لا حالا) أي في الدنيا ولا مآلا: أي في الآخرة، فالرب ّ جل جلاله كامل مطلقا (قوله فالوجو) أي وجوب شيء من الممكنات عليه تعالى (قوله إذ الوجوب الخ) أي لأن وجوب الشيء يقتضي صعوبة معاناته وتعاصيه (قوله وما احتوت الخ) عطف تفسير أو من عطف الخاص اعتناء به (قوله دقائق) أي أنواع (قوله الخارقة للعادة) صفة للدقائق (قوله قط) أي فيما