عليكم بدين العجائز، وعليك بدين الصبي إلى آخره. قلت: سبب ذلك والله أعلم أن تلك المقالات صدرت منهم في زمان هيجان البدع، ويدّل على ذلك سؤال الرجل عمر بن عبد العزيز عن الأهواء، وكان الزمان إذ لم يخل عن بقية السلف الصالح المعتنين بالدين وبتعليمه للأهل والولد والأمة والعبد، حتى كان الجميع يعرفون ما يخصهم في دينهم أكمل معرفة امتثالا لقوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا - وليت أكابر علماء زماننا كانوا في معرفة السنن مثل إماء علماء السلف الصالح أو نسائهم أو صبيانهم، فلما هاجت البدع وخيف على من هو ضعيف النظر أن يخرج إلى شيء منها قيل له عليك بدين العجائز و الصبيان لأنهم إنما اكتسبوه من تربية الصحابة والتابعين لهم بإحسان، والابتداع من قبلهم مأمون، وأهل البدع لا يقصدونهم بالمخالطة، فأمنوا من التلوث بأقذار البدع على عقائدهم التي أتقنوها بما يحتاج إليه من البراهين على حسب ما أخذوه من السلف الصالح وفهموه من الكتاب والسنة
(قوله عليكم الخ) قول بعض السلف، وقوله: وعليك الخ قول عمر بن عبد العزيز (قوله سبب ذلك) أي العدول (قوله المقالات) أي مقالة بعض السلف ومقالة عمر، لأن الكلام الآتي يناسب ذلك دون مقالة الفخر، فهي غير مرادة هنا لأن كلامه ليس مع أحد (قوله هيجان البدع) أي انتشارها (قوله ويدّل على ذلك) أي على صدورها زمن الهيجان (قوله عن الأهواء) أي عن أهلها هل نتبعهم في اعتقادهم أم لا (قوله إذ ذاك) أي وقت السؤال (قوله لم يخل الخ) التعبير ببقية يقتضى وجود قليل من السلف الصالح في زمن السؤال وهو زمن عمر مع أنه ليس كذلك، فالمناسب إسقاط بقية (قوله الجميع) أي من الأهل والأولاد والإماء والعبيد (قوله ما يخصهم) أي ما يحتاجون إليه (قوله أكمل معرفة) لأنها معرفة بدليل إجمالي وخالصة من الشبه (قوله امتثالا الخ) عليه لقوله المعتنين الخ (قوله وأهليكم) محل الشاهد (قوله وليت أكابر الخ) قصده بهذا التعريض بابن ذكرى وتعبيره عنه بأكابر العلماء بسبب اشتهاره في زمانه بالعلم، والمراد بزمانه القرن التاسع (قوله في معرفة السنن) مراده بها العقائد، لأن الكلام فيها (قوله مثل إماء الخ) أي مثل معرفة إماء الخ من جهة كونها صافية خالية عن الشبه بخلاف معرفة علماء زماننا (قوله فلما هاجت البدع) أي في زمن عمر بن عبد العزيز وهذا مرتب على قوله: في زمان هيجان البدع وما بينهما اعتراض (قوله ضعيف النظر) أي الذي لا يقدر إلا على الدليل الاجمالي (قوله منها) أي البدع (قوله لأنهم الخ) فيه أنهم حيث اكتسبوه ممن ذكر، فكيف يكونون ضعفاء النظر وهم من السلف الصالح (قوله من قبلهم) أي العجائز والصبيان (قوله وأهل البدع الخ) تعليل (قوله لا يقصدونهم بالمخالطة) أي وإنما يقصدون العلماء بالمناظرة معهم (قوله فأمنوا) أي العجائز والصبيان (قوله من التلوث) أي التخليط على عقائدهم (قوله بأقذار البدع) أي بالبدع الشبيهة بالأقذار (قوله من البراهين) أي الأدلة الاجمالية وإلا فالبرهان بالمعنى الحقيقي لم يكن موجودا في زمن السلف (قوله على حسب ما أخذوه) حال من عقائدهم: أي حال كونها آتية على حسب العقائد التي أخذوها: أي على قدرها، ومثلها في كونها صافية لا يخالطها شبه (قوله وفهموه الخ) عطف على أخذوه
لسهولة ذلك عليهم إذ هم عرب لم تستول على ألسنتهم الجمة، ولا صعد على قلوبهم ران الجمود ولا ظلمة الغباوة، فعقائدهم أسلم شيء وأحسنه، فلهذا أمر ضعيف النظر أن ينتمي إلى حرز دينهم المأمون لعدم المخالطة لأهل البدع، ولوقوف أئمة زمانهم المتسعين في الأنظار ولهم القوّة العظمى في الذهن واللسان رضي الله عنهم أمام حرز دينهم يدفعون عنه كل مبتدع وضال وتحملوا في ذلك رضي الله عنهم من مشاق النظر والإذاية في الأنفس والمال ما يعظم الله به أجورهم، ولو قيل لضعيف النظر الذي حيرته الأهواء عليك بما عليه الصحابة رضي الله عنهم لكان احالة على جهالة إذ كل من أهل البدع يدّعي أن ما ينتحله هو مذهب الصحابة رضي الله عنهم، فكان من الحزم والصواب ما أمر به علماء السلف من الانتماء إلى الحرز المأمون الذي وقفت أبطال العلماء لمناضلة أعداء الدين امامه، والضعيف إذا لم يدخل الحرز
فالعجائز والصبيان جمعوا بين أخذ العقائد من السلف وفهمها من الكتاب والسنة (قوله لسهولة ذلك عليهم) علة لقوله: على حسب ما أخذوه وعلى حسب ما فهموه، فقوله: ذلك: أي ما ذكر من الأخذ عن السلف والفهم من الكتاب والسنة (قوله إذ الخ) علة لسهولة، وعرب بضم فسكون وبفتحتين (قوله لم تستول على ألسنتهم العجمة) أي عدم الفصاحة، فلسانهم فصيح والفصاحة تعين على الأخذ والفهم (قوله ران الجمود) الران الصدأ، والجمود عدم جولان الذهن في المعارف والإضافة من إضافة المشبه به (قوله ظلمة الغباوة) من إضافة المشبه به، والغباوة: هي عدم الفطانة (قوله فعقائدهم) أي فحينئذ تكون عقائدهم (قوله شيء) المراد به العقائد (قوله فلهذا) أي فلكون عقائدهم أحسن العقائد وأسلمها (قوله ضعيف النظر) هو من له قدرة على الدليل الإجمالي فقط (قوله حرز دينهم) أي محروز هو دينهم (قوله المأمون) أي من التغير (قوله لعدم الخ) علة لقوله المأمون (قوله أئمة) أي علماء كسيدنا علي ّ ومن ماثله من الصحابة (قوله في الأنظار) أي حركات النفس في المعقولات لأجل ترتيب الأدلة (قوله أمام) معمول لوقوف وقوله حرز دينهم: أي العجائز والصبيان: أي أمام محروز هو دينهم الذي تلقوه عن الصحابة والتابعين (قوله في ذلك) أي بسبب ذلك: أي دفع كل مبتدع وضال (قوله من مشاق الخ) بيان لما تقدم عليه (قوله والاذابة الخ) هذا كان بعد موت مالك والشافعي رضي الله عنهما (قوله في الأنفس) فمنهم من قطعت رأسه، ومنهم من قيد عليه بالكبريت حتى مات (قوله والمال) فمنهم من نهيت أمواله لعدم قوله بخلق القرآن (قوله أجورهم) أي ثوابهم (قوله إن ما ينتجه) أي يختاره ويذهب إليه من العقائد الفاسدة، وعبر عنه بالانتحال: أي السرقة، لأن أمورهم سرقة لا أصل لها (قوله والصواب عطف تفسير) أي فكان من الجزم: أي الصواب ما أمر به الخ، وفيه أنه كما أن للسلف عجائز وصبيان كذلك لأهل البدع، ففي الأمر باتباع دين العجائز والصبيان إحالة على مجهول (قوله السلف) كعمر بن عبد العزيز (قوله إلى الحرز) أي المحروز (قوله المأمون) أي من التغير (قوله أبطال العلماء) جمع بطل لغة: الشجاع والمراد به هنا كثير العلم (قوله لمناضلة الخ) المناضلة: الرمي بالسهام استعيرت لإقامة الدليل على أعداء الدين وهم المبتدعة (قوله والضعيف) أي ضعيف النظر كالذي سأل عمر بن عبد العزيز