لأنه لا يعرى عنها مسلم، وقولكم فيكون حادثا مثلها ممنوع، لأن ذلك إنما يلزم لو كانت الحوادث التي لازمت الأجرام لها مبدأ يفتتح به عددها، ونحن نقول لا مفتتح لتلك الحوادث، بل ما من حادث إلا وقبله حادث لا إلى أوّل، فلم يلزم من قدم الأجرام على هذا التقدير عروّها عن الحوادث اللازمة لها، لأن نوعها الذي لا تنفك عنه الأجرام قديم. والجواب من أوجه: الأول أنه يلزم على وجود حوادث لا أوّل لها أن يكون دخل في الوجود وفرغ من حركات الأفلاك وأشخاص الحيوان ونحوها على الترتيب واحدا بعد واحد عدد لا نهاية له، والجمع بين الفراغ وعدم النهاية جمع بين متناقضين، فيكون محالا على الضرورة، ويلزم عليه أن يكون وجودنا ووجود سائر الحوادث الآن محالا لتوقفه على المحال، وهو فراغ مالا نهاية له وإلى هذا الجواب أشرنا في العقيدة بقولنا: يؤدي الخ، ومن قولنا من وجود الحوادث لبيان ما الموصولة قبلها والضمير في عليه يعود على فراغ مالا نهاية له: أي فما توقف على فراغ مالا نهاية له التي اتضحت استحالته يجب أن يكون محالا، لأن ما توقف على المحال محال ضرورة أن المتوقف لا يوجد بدون المتوقف عليه، والمتوقف في قضيتنا هو وجود الحوادث الآن واسم تكون في قوله: ويلزم أن تكون عدما يعود على الحوادث الموجودة الآن. وقد أوردت الملحدة على ما منعناه من الحوادث لا أوّل لها سؤالا، فقالوا
يا معشر أهل السنة في دليل الكبرى (قوله لأن ذلك) أي كونه حادثا مثلها (قوله لا مفتتح) بفتح التاء مصدر ميمى: أي لا افتتاح (قولك لتلك الحوادث) أي الأعراض الملازمة للأجرام (قوله بل ما من حادث) أي بل ما من وصف حادث (قوله فلم يلزم الخ) مرتب على محذوف والأصل بل ما من وصف حادث إلا وقبله حادث، وحينئذ فنقول الأجرام قديمة والحوادث ملازمة لها ولم يلزم من قدم الأجرام على هذا التقدير عروّها عن الحوادث اللازمة لها (قوله من قدم الأجرام) أي الأفلاك والهيولي وأنواع العالم كالإنسان لا أشخاص الأنواع لأن هذه عندهم حادثة بالذات (قوله على هذا التقدير) أي كون الصفات اللازمة للأجرام حوادث لا نهاية لها (قوله لأن نوعها الخ) كيف يكون قديما وأفراده حادثة ولا وجود للنوع إلا في أفراده ثم إنه لا حاجة لهذا التعليل لأنه متى حكم بأنه ما من حركة إلا وقبلها حركة لم يلزم من قدم الأجرام حينئذ عروّها عن الحوادث اللازمة وإن لم يلاحظ قدم النوع وإن كانوا يقولون به ... (قوله من أوجه) أي أربعة مذكورة في المتن (قوله دخل في الوجود) أي اتصف به (قوله وفرغ) أي انتهى (قوله وأشخاص الحيوان) هذا مما انجرّ إليه الكلام فهو توسعة دائرة لأن الموضوع في حوادث لا أوّل لها من الصفات لا من أشخاص الحيوانات (قوله عدد لا نهاية ... له) مرفوع تنازع فيه دخل وفرغ (قوله جمع بين متناقضين) قد يقال كما مر الفراغ في المستقبل وعدم النهاية في الماضي فلا تناقض (قوله ويلزم عليه) أي على وجود حوادث لا أوّل لها أن يكون وجودنا الخ، والمناسب لكون الكلام في صفات الأجرام أن يقول ويلزم عليه أن يكون وجود حركة الفلك الآن محالا (قوله وهو فراغ الخ) إنما كان محالا لما فيه من الجمع بين متنافيين وقد علمت أن اللازم الأوّل غير لازم وهذا مبني عليه فيكون غير لازم أيضا ... (قوله وإلى هذا الجواب) يعني الأوّل (قوله بقولنا يؤدّي) الخ الأولى بقولنا وتقديرها الخ (قوله الملحدة)