ما ألزمتمونا من استحالة وجود حوادث لا نهاية لها يلزمكم مثله في نعيم الجنة، إذ قد قلتم أن حوادث نعيمها ومتجددات أفراحها وسرورها لا نهاية له، وجوابه أن يقال لهم: لبستم بلفظ مشترك وهو لفظ حوادث لا نهاية لها، فإنها تطلق على وجهين بمعنى لا نهاية لها بحسب المبدأ: أي حوادث لا أوّل لها، وبمعنى لا نهاية لها بحسب الآخر: أي حوادث لا آخر لها، والذي قلتم به ورددناه الأوّل، وفيه وجدت أدلة الاستحالة من الجمع بين الفراغ وعدم النهاية المتناقضين وغير ذلك وانعدام فيه دليل الجواز. وأما ما قلناه في نعيم الجنة من الحوادث، فهو من القسم الثاني: أي الحوادث التي فيها لا آخر لها بمعنى أنها لا تنقطع أبدا حتى لا يتجدد بعدها شيء. وأما كل ما وجدنا منها فيما مضى إلى زمن الحال فهو متناه له مبتدأ ومنتهى فلم يلزم فيه الجمع بين الفراغ وعدم النهاية المتناقضين ولا غيره من أنواع الاستحالة كما لزم فيما ادعيتم، وليس من حقيقة الحادث أن يكون له آخر، ومن حقيقته أن يكون له أوّل، فقد ظهر انتفاء أدلة الاستحالة فيما ادعيناه من ثبوت حوادث لا آخر لها. وأما دليل جوازه فما تقرر وسيأتي برهانه من وجوب العموم في تعلق قدرته جل وعلا وارادته بكل ّ ممكن، وكذا سائر صفاته فيما يتعلق به، فلو وجب أن يكون للحوادث آخر للزم عجز القدرة والارادة عن أمثال ما وقع
أي الخصوم من الالحاد وهو الخصومة (قوله إذ قد قلتم الخ) تعليل (قوله إن حوادث نعيمها) من إضافة الصفة للموصوف وعبر بالجمع لكثرة أفراد النعيم (قوله وسرورها) مرادف (قوله ومتجدّدات أفراحها) من إضافة الصفة ومن عطف الخاص (قوله بمعنى الخ) الباء زائدة وإضافة معنى للبيان (قوله الأوّل) خبر الذي (قوله من الجمع الخ) بيان لأدلة الاستحالة التي وجدت فيه (قوله وغير ذلك) بالجر عطف على الجمع وذلك كعدم ما تحقق وجوده (قوله وانعدام الخ) عطف على وجدت الخ عطف لازم على ملزوم (قوله بمعنى الخ) أي لا بمعنى استمرار الشيء الواحد إلى مالا نهاية له (قوله حتى الخ) أي بحيث لا يتجدد الخ وهذا تفسير للمنفي (قوله وليس الخ) جواب عما يقال كيف يكون نعيم الجنة حوادث لا آخر لها مع أنه إذا كان الشيء حادثا يكون له آخر (قوله ومن حقيقته الخ) عطف على ليس، وفيه تسمح إذ حقيقته الموجود بعد عدم ومن لازمها أن يكون له أوّل (قوله وأما دليل جوازه الخ) زيادة للإيضاح وتحقيق المقام، لأنه متى انتفت أدلة الاستحالة ثبت الجواز فلا حاجة لدليله (قوله فما تقرر) أي في الخارج (قوله وسيأتي) أي في المتن (قوله برهانه) أي ذلك المتقرر في الخارج (قوله من وجوب الخ) بيان لما (قوله بكل ممكن) أي ومن جملته نعيم الجنة (قوله وكذا سائر صفاته) فالعلم يجب عمومه في أقسام الحكم العقلي ومثله الكلام وأما السمع والبصر فيجب عموم تعلقهما بالموجودات، وقد يقال أن الحادث من حيث التأثير فيه لا يتعلق به إلا القدرة والارادة ولا دخل لبقية الصفات فيه. وحينئذ فالأولى حذف قوله وكذا سائر صفاته: أي باقيها (قوله فلو وجب) أي عقلا (قوله للزم الخ) والتالي باطل فبطل المقدم وهو وجوب الآخر للحوادث وثبت الجواز، وقد يقال إن التلازم في الشرطية ممنوع إذ وجب أن يكون للحوادث آخر لزم أن وجود شيء بعد الآخر مستحيل وعدم تعلق القدرة به (1) لا يعد ّ عجزا ... (قوله عن أمثال ما وقع) أي عن تعلقهما بشيء
(1) (قوله به) الضمير عائد على مستحيل: أي وعدم تعلق القدرة بالمستحيل لا يعد عجزا اهـ منه