فهرس الكتاب
الصفحة 135 من 517

وهي ممكنة ضرورة. وأما حوادث لا أوّل لها فهي من المحال الذي ليس متعلقا للقدرة والارادة، وقد ضرب أئمتنا لما ادعوه من حوادث لا أوّل لها، ولما ادعيناه من حوادث لا آخر لها مثالين يستبين بهما أمر الاستحالة فيما ادعوه وأمر الجواز فيما ادعيناه، فمثلوا الأوّل بملتزم قال: لا أعطي فلانا في اليوم الفلاني درهما حتى أعطيه درهما قبله، ولا أعطيه درهما قبله حتى أعطيه درهما قبله وهكذا إلى الأوّل، فمن العلوم ضرورة أن اعطاء الدرهم الموعود به في اليوم الفلاني محال لتوقفه على محال، وهو فراغ مالا نهاية له بالإعطاء شيئا بعد شيء، ولا ريب أن ما ادعوه من حوادث لا أوّل لها مطابق لهذا المثال، فإن اعطاء الفاعل للفلك مثلا الحركة في زماننا هذا أو في غيره من الأزمان الماضية متوقف على اعطائه قبله من الحركات شيئا بعد شيء مما لا نهاية له فالحركة للفلك في الزمان المعين نظير الدرهم الموعود به في الزمن المخصوص والحركات التي لا تتناهى قبلها نظير الدراهم التي لا تتناهى قبل ذلك الدرهم، فيكون وجود الحركة للفلك في هذا الزمان مثلا مستحيلة كما استحال وجود الدرهم الموعود به في الزمان المعين للشخص، وكذا يلزم أن يكون وجودنا في هذا الزمان ووجود سائر الحيوانات والزرع مستحيلا لتوقفنا على وجود آباء قبلنا لا نهاية لهم وتوقف الزروع على بذور قبلها لا نهاية لها ولا خبر في فضيحتهم كالعيان، ومثال ما ادعيناه نحن في نعيم الجنة كما لو قال الملتزم لا أعطى فلانا درهما في زمن الا وأعطيه درهما بعده وهكذا لا إلى آخر، فهذا لا ريب لعاقل في جوازه إذ حاصله التزام الملتزم عدم قطع العطاء بعد ابتدائه، فاذا كان ممن

من أفراد النعيم يقع بعد الآخر مماثل لما وقع منها قبل الآخر (قوله وهي ممكنة ضرورة) حال من أمثال مانع، وفيه أن ما بعد الآخر صار مستحيل الوجود لأن الآخر واجب عقلا، وحينئذ فللخصم أن يمنع امكانها وضرورتها إلا أن يقال قوله وهي ممكنة: أي ثبت امكانها بالأدلة فهي نظرية ابتداء ضرورية انتهاء (قوله من المحال) أي لذاته (قوله يستبين) السين والتاء زائدتان (قوله مطابق لهذا المثال) فيه أن هذا المثال غير مطابق لما قالوه لأن الاعطاء في المثال متوقف، وما قالوه في الحركات اتفاقي من غير أن تتوقف اللاحقة على السابقة. ويجاب بأن التوقف في الحركات حاصل أيضا، وهم وإن لم يصرحوا به، لكنه لازم لهم ضرورة أن الحركة يتوقف وجودها على محل، وقد قالوا بقدم هذا المحل وأنه لا ينفك عن الحركات، فلزم أن كل ّ حركة تتوقف على حركة قبلها وهكذا (قوله فالحركة) مبتدأ خبره نظير (قوله وكذا يلزم) أي على وجود حوادث لا أوّل لها (قوله أن يكون الخ) المناسب أن يقول عدم حركة هذا اليوم التي هي موجودة، لأن الكلام في التسلسل في الحركات، وحينئذ فاللازم هو عدم حركة الخ. وأما استحالة وجودنا ووجود سائر الحيوانات، فهو لازم من شيء آخر ادّعوه ليس الكلام فيه، وهو أنه ما من شخص إلا وقبله شخص (قوله لتوقفنا الخ) فتوقف وجود الإنسان على وجود آباء قبله لا تفرغ يلزم عليه أن لا يوجد الإنسان لتوقفه على مال يفرغ، وتوقف وجود النبات على وجود بذر قبله لا يفرغ يلزم عليه أن لا يوجد لتوقفه على مالا يفرغ (قوله ولا خبر) بضم الخاء كما روى عن المصنف معناه العلم، وهو لا يناسب هنا إلا أن يقال أراد به المخبر: أي لا مخبر بفضيحتهم مثل العيان، بل العيان أقوى (قوله ومثال ما ادّعيناه) المناسب

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام