فهرس الكتاب
الصفحة 35 من 517

أو فالجزم الفرار منه، وبمثل هذا الوهم وقع أكثر الناس في أنواع البدع والضلالات، حتى وقفوا مع المعتادات، واشتغلوا بالأكوان عن مكوّنها، فاعتقدوا نافعا ما ليس بنافع، وضارا ما ليس بضار ّ، فأشركوا مع الله غيره، وأثبتوا الوسائط بينه وبين خلقه، وأسندوا التأثير إلى من ليس له تأثير وتوكلوا على من ليس له حول ولا قوّة ولا تدبير ولا تقدير، ولم يعلموا أن الممكنات كلها خيالات تنادي بلسان الحال الذي هو أفصح من لسان المقال من يقف عندها: انظر المقصد أمامك - إنما نحن فتنة فلا تكفر -،

لحكم الوهم فيها بالخوف أو الفزع منه. وأما الصغرى فصادقة (قوله فالجزم) أي الأمر الذي تهتمّ به أو فالأمر الصواب (قوله وبمثل الخ) لا تعلق له بالمغالطة، بل هو استطراد: أي وقع أكثر الناس في أنواع البدع بسبب الوهم الحاصل لهم المماثل لهذا الوهم: أي توهم أن الحبل الذي على صورة الحية مفزع ومؤذ (قوله في أنواع البدع) كتأثير الماء في الريّ والنار في الإحراق والأكل في الشبع وإضافة أنواع للبيان، فحكمهم بأن المؤثر هذه الأسباب إنما جاءهم من الوهم. أما العقل فيحكم بأنه لا مؤثر إلا الله (قوله حتى وقفوا الخ) أي حتى جزموا بتأثير الأمور المعتادة، ومن المعتاد أن النار تحرق، فقالوا بتأثيرها في الإحراق، وأن الماء يروي، فقالوا بتأثيره في الري ّ وهكذا (قوله واشتغلوا بالأكوان) أي المكوّنات مثل الماء والنار، فأثبتوا للنار تأثيرا في الإحراق وهكذا (قوله فاعتقدوا الخ) مفرع على اشتغالهم بالأكوان: أي اعتقدوا إن الأكل نافع في الشبع مع أن النافع هو الله وهكذا (قوله فأشركوا) مسبب عن اعتقادهم أي أشركوا مع الله غيره كالنار، فقالوا إنها مؤثرة بطبعها. أما اعتقاد أنها مؤثرة بقوّة أودعت فيها ففسق على المعتمد (قوله وأثبتوا الوسائط) أي كالنار، فقالوا إنها مؤثرة والخالق لها الله، وإثبات الوسائط يؤدي لعدم الالتفات لله (قوله إلى من ليس له تأثير) أي كالماء والنار، فهم يقولون إن ذلك هو المؤثر، والأولى إبدال من بما إلا أن يقال إن من جملة من يسند له التأثير عندهم العقلاء فغلبوا على غيرهم (قوله وتوكلوا الخ) أي إن المعتزلة يقولون: العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، فيتوكلون ويعتمدون عليه مع أنه لا تحوّل له عن المعصية ولا قوّة له على الطاعة إلا بالله ولا تدبير له: أي لا نظر له في عواقب الأمور لتقع على الوجه الأكمل، ولا تقدير أي تعيين وتحديد للأشياء بفعل بعضها في غد أو بعد غد مثلا، فتحديد الأشياء من الله، أما العبد فعاجز عن ذلك (قوله خيالات) أي كالأمور المتخيلة التي لا وجود لها من حيث أن وجودها ليس من نفسها بل من الله، فليس بيدها نفع ولا ضرر (قوله بلسان الحال) أي بلسان حالها (قوله أفصح) أي أقوى في الدلالة لأنه صادق دائما بخلاف لسان المقال فقد يكذب (قوله من يقف) مفعول تنادى (قوله انظر الخ) أي وتقول له انظر: أي في أحوالي لأوصلك إلى المقصد وهو الله تعالى، والمراد بالوصول إليه معرفته، ومن جملة

معرفته أنه المنفرد بالتأثير في الأشياء (قوله المقصد أمامك) أي قدّامك لا ما أنت واقف عليه من الأمور المعتادة، ويصح أن يكون هذا مقولا لمحذوف، وانظر مقدّمة من تأخير: أي تنادي من يقف عندها وتقول له المقصد كائن أمامك انظر في أحوالي لتصل إليه (قوله فتنة) أي ذوات افتتان وامتحان أو مفتتّن بنا، وقوله

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام