يريد الاختلاس من دينه.
أحل ّ أمته في حرز ملته ... كالليث حل ّ مع الأشبال في أجم
فحين قام الأعداء بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لهدم حصن الدين، أفقوا في تحصينه أعظم تحصين: تلك الذخائر التي ورثوها، واستعملوا آلات عقولهم في وجوه انفاقها، ولم تزل أرباح تلك الذخائر من زيارة تلك المعارف تتوالى عليهم وينفقونها عند الاحتياج إليها، فهذا حال علماء أهل السنة الذين تكلموا في علم التوحيد وألفوا فيه التآليف جزاهم الله أفضل جزاء، فبالله أيها المقلد الذي يستدلّ بما لم يحط به علما، من كان يقف لردّ أهل البدع حين خاضوا مع كثرتهم وعظيم احتيالهم في شهادتهم، ولهم المنزلة في الدنيا بحيث يتمكنون بها من سوق الناس إلى أغراضهم لولا ما نهض لهم رجال الله من العلماء الراسخين
(قوله في حرز) بمعنى محرز وحافظ: أي في المحرز والحافظ لملته وهي المعارف، وقوله: كالليث: أي الأسد، وقوله: مع الأشبال جمع شبل: ولد الأسد، وقوله: في أجم جمع أجمة بمعنى الغابة: أي أن السد حل مع أولاده في الغابة: أي الشجر الملتف ّ وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أحل أمته المعتبرة وهم أهل السنة في محرز ملته لأجل أن يحفظوها (قوله فحين قام الأعداء الخ) أي أعداء الدين وهم المبتدعة وهذا مكرر مع ما قبله إذ هذا قد تقدّم تفصيلا، وأعاده بطريق الإجمال (قوله حصن الدين) أي محصون هو الدين أو الدين المحصون (قوله آلات عقولهم) الشبيهة بالآلات (قوله في وجوه) أي كيفيات انفاقها بأن يردوا هذه الشبهة بالذخيرة الفلانية لكونها يناسب ردها بها وهكذا (قوله أرباح تلك الذخائر) أي ما ينتج لهم من المسائل عند تفكرهم فيما ورثوه من المعارف: كقول شراح البخاري مثلا هذا الحديث يؤخذ منه كذا وكذا فهذا المأخوذ بطريق الانتاج يقال له ربح (قوله من زيارة المعارف) أي من المعارف الزائدة بيان لأرباح الذخائر (قوله فهذا) أي ما سبق من تقرير العقائد وإقامة الأدلة ورد ّ الشبه (قوله فبالله) أي فأسألك بالله وهو قسم استعطافي (قوله أيها المقلد) مراده به عصرية ابن ذكرى القائل أن التقليد كاف بل هو أرجح من النظر وتسميته مقلدا بالنظر لكونه قلد غيره ممن سبق في القول بأن التقليد كاف (قوله الذي يستدل الخ) أي الذي يستدل فكلام لا يحيط علمه به: أي بمعناه فهو حجة عليه لا له وهو لم يفهم ذلك (قوله علما) تمييز محول عن الفاعل (قوله من كان الخ) أي أسألك جواب هذا الاستفهام وهو العالم الراسخ وحينئذ لم يكن أهل التقليد أرجح من العلماء الراسخين فكيف تقول برجحان التقليد على النظر اللازم له أن المقلدين أرجح من العلماء (قوله وعظيم احتيالهم) من إضافة الصفة (قوله في شبهاتهم) متعلق بخاضوا شبه المصنف شبهاتهم بطين يخاض فيه واثبات الخوض تخييل والجامع القبح في كل ّ (ولهم المنزلة الخ) أي والحال للمبتدعة الجاه في الدنيا لأن الرؤساء والسلاطين منهم في ذلك الزمن فاشتدت شوكتهم وكانوا يجبرون أئمة الدين على متابعتهم في أهوائهم كجبرهم الإمام أحمد على القول بخلق القرآن (قوله بحيث الخ) أي حال كونهم متلبسين بحالة هي تمكنهم بتلك المنزلة (قوله إلى أغراضهم) أي اعتقادهم الفاسدة (قوله لولا الخ) مرتبط في المعنى بقوله بحيث