وكيف لا، وقد اختلفت هذه الأمة المشرفة وحدها في العقائد اختلافا كثيرا حتى أنها افترقت على ثلاث وسبعين فرقة، والمصيب منها فرقة واحدة، ولهذا حكم صلى الله عليه وسلم بأن جميعها في النار إلا واحدة، وأيضا فهذا القول يؤدي ّ إلى أن حضه سبحانه على النظر في آيات كثيرة منها كتابه العزيز وأمره بذلك أمر بتحصيل الحاصل، وكذا ما قرره سبحانه في كتابه العزيز من أدلة العقائد كأدلة الوحدانية والبعث والنبوّة تقرير لما هو معلوّم للكل. وهذا مما يأباه كل عاقل وأيضا فليس الخبر كالعيان، ونحن قد شاهدنا كثيرا ممن لم يأخذ في هذا العلم وله نجابة في غيره من العلوم لا يحسنون العقائد تقليدا فضلا عن أن يحسنوها بالنظر، بل وشاهدنا كذلك بعض من أخذ في هذا العلم ولم يتقنه أما العامة فأكثرهم ممن لا يعتني بحضور مجالس العلماء ومخالطة أهل الخبر يتحقق منهم اعتقاد
تحقيق أصل الإيمان من النظر الدقيق بل هو سهل (قوله وكيف لا الخ) أي وكيف لا يفتقر بعضها إلى دقيق النظر والحال أنه قد اختلفت الخ: أي واختلافها إنما هو لدقة النظر وهذا رد ّ على من يقول أنها كلها ضرورية، وقد يجاب بأن بعض المعاصرين وهو ابن ذكرى لم يدّع أن المعرفة ضرورية وأن النظر لا يحتاج إليه، بل يقول المعرفة تتوقف على نظر لكنه سهل شأن العقلاء أن يذهبوا إليه فحكمه بأن المعرفة حاصلة للكل لا يقتضي أنها ضرورية (قوله المشرفة) أي بعضها وهو الناجي منها دون الكافر والمبتدع (قوله فرقة واحدة) هي أهل السنة والجماعة (قوله ولهذا) أي لكون المصيب فرقة واحدة (قوله حكم) أي أخبر (قوله إلا واحدة) أي فلا تدخل النار من حيث الأصول فلا ينافي دخولها من حيث المخالفة في الفروع إن لم يحصل عفو الله (قوله وأيضا الخ) ردّ آخر على بعض المعاصرين (قوله أمر بتحصيل الحاصل) فيه أن بعض المعاصرين ادعى أن المعرفة حاصلة لكل مؤمن فلا يلزمه أن يكون الأمر بالنظر أمرا بتحصيل الحاصل إلا أن ادعى أن النظر حاصل من كل أحد وهو لم يدّع ذلك واللازم له على دعواه الأمر بتحصيل ما هو سهل وهذا لا ضرر عليه فيه (قوله وكذا ما قرر الخ) أي وكذا يؤدي إلى أن ما قرره وكذا رابطة لما بعدها مما قبلها وما قرره الله مبتدأ، وقوله: تقرير خبره (قوله تقرير الخ) قد يقال لا يلزم من القول بأن كل مؤمن عارف أن ما قرره الله تقرير لما هو معلوم بل هو تقرير لما يسهل علمه (قوله وهذا) أي ما ذكر من التأديتين (قوله وأيضا فليس الخبر) أي خبر بعض المعاصرين بأن كل مؤمن عارف، وقوله: كالعيان بكسر العين: أي المشاهدة، وقوله: ونحن الخ: أي لأنا شاهدنا بعض المؤمنين على خلاف ما أخبر به بعض المعاصرين ومعلوم أن الموجبة الكلية يناقضها سالبة جزئية وحينئذ فإخباره باطل لكن قد يقال مقتضى هذا الحكم على كلام بعض المعاصرين بالبطلان لا بالأضعفية (قوله ممن لم يأخذ) أي ممن لم يحصل في هذا العلم وهو علم الكلام
(قوله في غيره) كالنحو والبيان (قوله لا يحسنون الخ) أي لكونهم يعتقدون اعتقادات فاسدة: أي وحينئذ فكيف يقال كل مؤمن عارف (قوله كذلك) أي من لا يحسن العقائد تقليدا الخ (قوله أما العامّة الخ) مقابل لمحذوف: أي ما ذكرناه حال من خالط العلماء وهو قليل أما العامة الخ (قوله العلماء) أي علماء الشريعة (قوله وأهل الخير) هم العلماء