فهرس الكتاب
الصفحة 465 من 517

(ش) الكلام في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في موضعين: أحدهما قبل النبوّة والثاني بعدها. أما حكمها قبل النبوّة فالذي ذهب إليه أكثر الأشاعرة وطائفة كثيرة من المعتزلة إلى أنه لا يمتنع عقلا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة معصية كبيرة كانت أو صغيرة. وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يمتنع ذلك، وهو مختار القاضي عياض على أنه قال: تصوّر المسئلة كالممتنع، فإن المعاصي إنما تكون بعد تقرير الشرع إذ لا يعلم كون الفعل معصية إلا من الشرع وقال بعض أصحابنا الامتناع بالسمع إذ لا مجال للعقل. لكن دل ّ السمع بعد ورود الشرع على أنهم كانوا معصومين قبل البعثة، وذهب الروافض إلى امتناع ذلك كله عليهم عقلا قبل البعثة ووافقهم أكثر المعتزلة في امتناع وقوع الكبائر منهم عقلا قبل البعثة، ومعتمد الفريقين التقبيح العقلي، لأن صدور المعصية منهم مما يحقرهم في النفوس وينفر الطباع من اتباعهم، وهو خلاف ما اقتضته الحكمة من بعثة الرسل

تقول لو وقع منهم المباح على الوجه الذي يقع من غيرهم لكنا مأمورين به لما سبق. لكن التالي باطل لأنه حينئذ يصير مأمورا به مباحا، وذلك يستلزم الجمع بين متنافيين، وظاهر كلامه يقتضي أن دليل عدم وقوع المباح منهم على الوجه الذي يقع من غيرهم هو قوله - قل إن الله لا يأمر بالفحشاء - وليس كذلك بل الجمع بين متنافيين كما علمت (قوله الكلام) أي هنا في هذا المقام (قوله أكثر الأشاعرة) الأولى أكثر أهل السنة الشامل للأشاعرة والماتريدية (قوله إلى أنه) أي الحال والشأن والأولى إسقاط لفظ إلى (قوله قبل البعثة) الأولى قبل النبوّة، بل الأولى إسقاط ذلك لأن المقام في الكلام على حكم المعصية قبل النبوّة (قوله إلى أنه) أي الحال والشأن، وقوله يمتنع ذلك: أي وقوع المعصية منهم، والمراد يمتنع عقلا كما يقتضيه السياق، وذلك لأنه لو وقع منهم معصية لاستحقوا التقبيح ساعة مّا، لكن التالي باطل فكذا المقدّم (قوله على أنه قال) أي لكنه قال (قوله تصوّر المسألة) أي تصوّرها وقوعا وتحقيقا، وانظر هذا فإنه لا يتم إلا لو كان الكلام في أوّل رسول فقط كآدم عليه السلام أو في النبي المبعوث بعد الفترة، والأمر ليس كذلك إذ الكلام في حكم الأنبياء كافة قبل البعثة وتصوّر وقوع المسئلة حينئذ لا امتناع فيه إذ قد يكون النبي قبل البعثة مكلفا بشريعة من قبله. ألا ترى لهارون ويوشع بن نون فتى موسى فإنهما كانا قبل البعثة مكلفين بشريعة موسى (قوله وقال بعض أصحابنا) الذي يحسن في المقابلة، وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يمتنع سمعا (قوله الامتناع) أي امتناع صدور المعصية منهم صغيرة أو كبيرة (قوله بالسمع) أي لا بالعقل (قوله لكن الخ) لا معنى لهذا الاستدراك فالأولى فقد دل السمع الخ: أي فقد دلت الألفاظ المسموعة بعد ورود الشرع الخ (قوله وذهب الروافض) مأخذ الروافض ومن وافقهم من المعتزلة التقبيح العقلي، ومأخذ المذهب الثاني الذي اختاره عياض ما تقدّم من الدليل العقلي (قوله قبل البعثة) الأولى حذفه لأن المقام يغني عنه (قوله ومعتمد الفريقين) يعني الروافض وأكثر المعتزلة (قوله لأن صدورالخ) توجيه لمأخذ الفريقين وهو إنما يناسب مقول الروافض الجاري على ما هو أعم بخلاف مقول أكثر المعتزلة الجاري على الكبائر فقط (قوله وهو خلاف الخ) الحكمة في بعثة الرسل كمال الخلق، وهذا يقتضي تعظيمهم،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام