التزكية والتحلية صقالا في مرآة النفس إلى أن تتهيأ لما لا تتهيأ لإدراكه غيرها، وإنما مرجع النبوّة إلى اصطفاء الله تعالى عبدا من عبيده بالوحي إليه، فالنبوّة عندنا هي اختصاص بسماع وحي من الله بواسطة ملك أو دونه، فإن أمر بتبليغه فرسالة، فالمختص بالأوّل والثاني رسول فقط وبالأوّل نبي، فالرسول عندنا أخص من النبي مطلقا فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا وقيل هما بمعنى، وقيل بينهما عموم وخصوص بوجه فيجتمعان في الرسول من البشر، وينفرد النبي فيمن أوحى إليه من البشر ولم يؤمر بالتبليغ وينفرد الرسول فيمن أوحى إليه من الملائكة وبعث إلى غيره، وقيل هما متباينان وأن الرسل هم أصحاب الكتب والشرائع، والنبيون هم الذين يحكمون بالمنزل على غيرهم مع أنهم يوحى إليهم. المسئلة الثانية: في حكم الرسالة. مذهب أهل الحق أن الرسالة ممكنة بفضل مولانا جل ّ وعلا بها، وأوجبها المعتزلة عقلا على أصلهم في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح،
فالخلاف بيننا وبينهم لفظي راجع للتسمية، فالمعنى الذي قالوه لا نسميه بالنبوّة، ولذا لا نقول بالاكتساب، وهم لا يسمون ما قلنا بالنبوّة، فلذا لا يقولون بعدم الاكتساب (قوله التزكية) أي تزكية النفس وتطهيرها من الصفات الذميمة (قوله والتحلية) أي التزين بالأوصاف الشريفة ... (قوله صقالا) على وزن كتاب: أي جلاء فالنفس كالمرآة المصدية والبعد عن الأوصاف الذميمة والتلبس بالأوصاف الشريفة يجليها (قوله في مرآة النفس) من إضافة المشبه به للمشبه (قوله لما) أي لإدراك ما الخ (قوله وإنما مرجع النبوّة) أي رجوعها عندنا، وقوله: إلى اصطفاء الله عبدا: أي اختياره عبدا وتخصيصه بالوحي إليه (قوله فرسالة) أي أيضا (قوله بالأوّل) أي بالطرف الأوّل وهو سماع الوحي من الله، وقوله: والثاني: أي وبالطرف الثاني وهو الأمر بالتبليغ (قوله فالرسول الخ) انظر هذا التفريع مع ما فرع عليه، فإن المفرع عليه الذي هو المختص بالأوّل والثاني الخ لا يقتضي نسبة بين الرسول والنبي، بل الذي يقتضيه هو التباين، فالمناسب أن لو جاء بالمفرع عليه في أسلوب يقتضي ما ذكره من التفريع كأن يقول فالمختص بالأوّل نبي وإن اختص بالأوّل والثاني فرسول أيضا (قوله وقيل هما بمعنى) هو انسان أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه (قوله بوجه) أي لأنه لا يشترط في الرسول على هذا القول أن يكون من البشر لقوله تعالى - جاعل الملائكة رسلا - وإنما يشترط ذلك في النبي (قوله فيجتمعان الخ) أي فيجتمعان فيمن أوحى إليه بشرع وأمر بتبليغه من البشر (قوله مع أنهم يوحى إليهم) أي بأحكام يختصون بها في أنفسهم، وانظر هذا القول مع أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد وصفه الله في التنزيل بالنبي والرسول، وكذا قال في حق غيره - وكان رسولا نبيا - فالقول بالتباين يدافع ما في التنزيل من اجتماعها (قوله أن الرسالة) أي التي هي تخصيص بعض البشر بسماع وحي وأمره بتبليغه للخلق (قوله ممكنة) لأن ارسال الرسل وأن اشتمل على حكم ومصالح، لكن تلك الحكم غير باعثة له تعالى على ذلك، بل وجود الارسال وعدمه بالنسبة إليه تعالى سواء فلا يجب عليه رعاية تلك الحكم حتى يكون الارسال واجبا عليه، وإنما تلك الحكم مرتبة على الارسال وغاية له (قوله وأوجبها المعتزلة) قالوا العقول وإن كانت تستقل بإدراك الأحكام من غير حاجة