ومنعتها البراهمة عقلا، ولا يخفى فساد المذهبين إن حقق ما مضى من بطلان أصل التحسين والتقبيح ومراعاة أصل الصلاح والأصلح فلا حاجة لنا إلى التطويل بكثرة الحجيج، وقد اتضح الحق وصار نهارا. وأما المسئلة الثالثة. فنذكر ما يتعلق بها مع لفظ العقيدة، وقولي ليبلغوهم عن الله إلى آخره إشارة منه إلى بعض فوائد بعثة الرسل، وخص هذه الفوائد لأنها مقصورة عليهم لا يمكن وصول العقل إليها بدونهم. وأما غيرها مما أوضحوه من الأحكام العقلية وأدلتها القطعية فقد يتوصل العقل بدونهم إلى شيء منها. لكن ظهرت الفائدة في هذا النوع وشبهه أنهم أرشدوا العقول إلى الحق فيه بدون كبير تعب، وفطنوها إلى دقائق من الأنظار لم تكن تستقل بإدراكها وقطعوا معاذر الخلق من كل وجه (قوله: وما يتعلق بذلك من خطاب الوضع) الإشارة راجعة
إلى الشرع لكن آراء الناس تختلف، وهذا موجب للتنازع فكان الأصلح بهم أن يقيم الله لهم خليفة في الأرض مؤيدا بمعجزات يعلم بها أنه من عند رب ّ العالمين لينقاد إليه الكل ويسمعوا ويطيعوا، فيؤلف بين الناس ويوفقهم على ميزان العدل والانصاف، فيستقيم التعامل والتحاكم وينقطع التحامل والتظالم، وإذا كان هذا هو الأصلح في حقهم وجب على الله بناء على رأيهم من وجوب الصلاح والأصلح عليه لعباده (قوله ومنعتها البراهمة) هم جماعة من الهند ينتسبون لرجل يقال له برهم كان في الأصل مجوسيا، ثم انتقل للقول بهذه الطريقة، وهي امتناع بعثة الرسل عقلا واحالتها ويكذبون جميع الرسل، وشبهتهم أن العقل يكفي عن البعثة، لأن ما حسنه العقل فحسن وما قبحه فقبيح ومالم يحكم فيه بحسن ولا قبح يفعل عند الحاجة إليه وحينئذ فإرسال الرسل عبث وهو على الله محال (قوله إن حقق الخ) تحقيق بطلان أصل التحسين والتقبيح يقتضي فساد مذهب البراهمة وتحقيق بطلان مراعاة الصلاح والأصلح يقتضي فساد مذهب المعتزلة (قوله وأما المسئلة الثالثة) هي إقامة الدليل على ثبوت الرسالة (قوله ما يتعلق بها) أي الكلام الذي يتعلق بشأنها الشامل لها ولما يتعلق بها من باقي النبوات (قوله مع لفظ العقيدة) يعني قوله الآتي وتفضل سبحانه الخ (قوله عن الله) كذا في بعض النسخ والمطابق للفظ المتن عن أمر الله (قوله اشارة منه) هذا تصريح منه لا إشارة (قوله إلى بعض الخ) وإن كان في المتن جرى على أن تبليغ الأحكام هو الفائدة في بعث الرسل لا بعضها والحق ما هنا (قوله وخص ّ الخ) جواب عما يقال حيث كان لبعث الرسل فوائد فلأي ّ شيء خص ّ هذه الفائدة وهي التبليغ للأحكام التكليفية والوضعية بالكر دون غيرها من الفوائد (قوله عليهم) أي على الرسل (قوله من الأحكام العقلية) هي الاعتقادية كثبوت القدرة والإرادة لله (قوله وأدلتها القطعية) نحو - لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا - وكان ربك بصيرا، فعال لما يريد إلى غير ذلك (قوله فقد يتوصل الخ) ظاهره أن الأحكام الاعتقادية بعضها قد يتوصل إليه العقل وبعضها لا يتوصل إليه مع أن الأحكام العقلية التي تتوقف دلالة المعجزة عليها وكذلك التي لا تتوقف دلالتها عليها يدركها العقل، فكان الأولى أن يقول فقد يتوصل العقل بدونهم إليها (قوله في هذا النوع) أي ما أوضحوه من الأحكام العقلية (قوله وشبهه) كالأحكام الطبية والسياسية (قوله أنهم الخ) بدل من الفائدة (قوله وقطعوا الخ) فلا عذر للإنسان فيما يتعلق بالإله ولا فيما يتعلق بالأحكام التكليفية أو