بنية الحدقة التي جعلوها شرطا في الرؤية عليه، وكذا يستحيل انبعاث الأشعة من ذاته العلية لأنها أجسام لا تنفصل إلا من أجسام، وكذا يستحيل أن يقابله شيء لاستحالة الجهة عليه، فبطل بهذا كل ما أصلوه من اشتراط بنية الدقة المخصوصة وانبعاث الأشعة والمقابلة، ومما يبطل أيضا قولهم: رؤية النبي صل الله عليه وسلم الجنة من موضعه مع غاية البعد وكثافة الحجب التي بينه وبينها، فلو كانت الرؤية بانبعاث الأشعة لما وصلت مع هذا البعد العظيم، وأيضا فالحجب الكثيرة تردّها، لا سيما وهم قد قرروا أن من الموانع القرب والبعد المفرطين، ووجود حجاب كثيف بين الرائي والمرئي.
(ص) وإذا تقرّر هذا فالبصر عند أهل الحق عبارة عن معنى يقوم بمحل مّا يتعلق بالمرئيات ويتعدّد في حقنا بتعدّدها، وما لم ير من الموجودات فلموانع قامت بالمحل على حسبها، وهل قام في العمى مانع واحد يضاد ّ جميع الادراكات أو موانع تعدّدت بعدد ما فاتت رؤيته من الموجودات فيه تردّد.
(ش) (قوله: عبارة عن معنى) يعني لا عن انبعاث الأشعة كما تقول المعتزلة، وقوله: يقوم بمحل مّا: يعني لا أنه يشترط بنية الحدقة كما تقوله المعتزلة، فلو خلقه سبحانه في العقب أو في أي ّ محل ّ شاء من الجسم لصح ّ، لأن ذلك المعنى إنما يقوم بجوهر فرد ولا أثر للجواهر المحيطة به،
للمعاني (قوله بنية الحدقة) الاضافة بيانية (قوله لأنها) أي الأشعة (قوله كل ما أصلوه) أي جعلوه أصلا للرؤية تتوقف عليه (قوله ومما يبطل) خبر مقدم، وقولهم مفعول يبطل ومقول القول محذوف: أي مما يبطل قولهم باشتراط الحدقة وانبعاث الأشعة منها والمقابلة في الرؤية وقوله: رؤية النبي مبتدأ مؤخر (قوله بينه) أي النبي، وقوله: وبينها: أي الجنة (قوله تردّها) أي الأشعة (قوله لا سيما) لا معنى له هنا ولو جعل ما بعدها علة لكان ظاهرا (قوله وإذا تقرر هذا) أي بطلان ما اشترط الخصوم في الرؤية من الحدقة وانبعاث الأشعة منها واتصالها بالمرئي وكون المرئي في جهة ومقابلا للرائي وعدم القرب والبعد المفرطين (قوله عن معنى) أي صفة موجودة، وهي الادراك (قوله ومالم ير الخ) كالجن ّ والملائكة (قوله فلموانع) الجمع باعتبار تعدّد الموجودات التي لم تر، وإلا فكل واحد منع من رؤيته مانع واحد (قوله قامت بالمحل) أي محل البصر والادراك وهو إنسان العين (قوله على حسبها) أي الموجودات: أي على قدرها (قوله وهل قام في العمى الخ) أي وهل قام في محل العمى مانع واحد وهو العمى (قوله مانع واحد يضاد الخ) فالعمى وصف وجودي وأراد بالإدراكات الأبصار (قوله يعني الخ) فيه أن الانبعاث عندهم سبب للرؤية لا أنه عينها (قوله في العقب) أي مؤخر القدم (قوله شاء) أي أراد خلقه فيه (قوله لصح ّ) أي لجاز ذلك عقلا (قوله لأن ذلك المعنى) وهو ادراك المرئيان، وهذا بيان للملازمة التي حكمت بها الشرطية (قوله إنما يقوم بجوهر فرد) أي لا بجوهرين فأكثر، لأن المعنى لا يقوم بمحلين وإلا لزم انقسامه، والمعنى الواحد لا ينقسم (قوله ولا أثر للجواهر المحيطة به) أي بذلك الجوهر الفرد الذي قام به المعنى: أي لا أثر لها في قبول