عليه السلام للرؤية إذ معلوم أنه لا يجهل ما يستحيل في حقه تعالى، وإلا لكان جاهلا بما أدركت استحالته حثالة المعتزلة، فتعين أنه ما سأل إلا ما هو جائز إذ سؤال ما يستحيل ممنوع، والأنبياء معصومون من كل زلل على ما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، ومن الأدلة إجماع السلف الصالح على الرغبة إلى الله تعالى بأن يمتعهم بالنظر إلى وجهه الكريم، وقد ورد ذلك في بعض أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث «سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون أو تضارون في الرؤية» ووجه التشبيه بالقمر ما أشار إليه آخر الحديث من عدم تضار ّ بعضهم ببعض وقت الرؤية. أما الجهة والجسمية ولوازمهما فمستحيلة في حقه تعالى. وبالجملة فالمقصود تشبيه الرؤية بالرؤية فيما ذكر لا المرئي بالمرئي، وهذه الأدلة ونحوها من أدلة السمع وإن كان كل منها ظاهرا ليس بنص فهي لكثرتها وتواطئها على معنى معنى واحد تفيد القطع بالرؤية، وإلى هذا المعنى أشرت بقولي: والظواهر إذا كثرت الخ، وقد أشار
والمناسب للأسلوب السابق أن يقول: ومنه سؤال موسى الخ (قوله وإلا) أي بأن كان يجهل ما يستحيل في حقه تعالى (قوله لكان الخ) أي لكن التالي باطل لما في ذلك من غاية الشناعة إذ كيف لا يدرك سيدنا موسى ما أدركته المعتزلة وهذا من باب الالزام لهم على مذهبهم (قوله حثالة المعتزلة) أي جهلهم والاضافة للبيان (قوله فتعين الخ) ظاهره أنه مفرع على ما ذكره أوّلا بقوله: إذ معلوم أنه لا يجهل ما يستحيل في حقه، والتفريع غير ظاهر لأنه لا يلزم من كونه لا يجهل ما يستحيل في حقه تعالى أنه لم يسأل إلا جائزا لجواز أن يعلم باستحالة الرؤية ويسألها لغرض فكان الأولى للشارح أن يقول إذ معلوم أن موسى عليه السلام لا يجهل ما يستحيل في حقه تعالى وسؤال ما يستحيل ممنوع والأنبياء معصومون من كل زلل فتعين الخ (قوله والأنبياء الخ) حال (قوله ومن الأدلة) أي السمعية (قوله على الرغبة) تفسير للابتهال في المتن وهو لغة الاجتهاد في الدعاء واخلاصه، ولم يتعرض لتفسير الطلب وكأنه اعتبره عطف تفسير، وقوله: أن يمنعهم: أي في أن يمنعهم (قوله وقد ورد ذلك) أي الرغبة والطلب بالتمتع بالنظر لوجهه وهذا إشارة لسند الاجماع (قوله ومنها) أي الأدلة السمعية (قوله لا تضامون) أو لا تضارون بفتح التاء مع تشديد الميم والراء على حذف إحدى التاءين والماضي تضام وتضار: أي لا تزدحمون في رؤيته ولا يضر أحدكم غيره في ذلك بسبب مزاحمته له، وبضم التاء مع تخفيف الميم والراء بالنباء للمفعول من الضيم والضير: أي لا يحصل لبعضكم من بعض ظلم وضيم بسبب الازدحام في رؤية الباري لأنه لا يحصل فيها مزاحمة لوضوحها وأو للشك من الراوي، وقيل هما روايتان. وروى أيضا هل تضامون في القمر بالاستفهام هذا. وروى تضامون بضم التاء وتشديد الميم، وأما تضارون بضم التاء وتشديد الراء فلم يصح رواية وإن صح لغة (قوله ولوازمهما) فلوازم الجهة الحدوث ولوازم الجسمية أخذ الذات قدرا من الفراغ والانقسام (قوله فيما ذكر) أي من عدم تضارر بعضهم لبعض وقت الرؤية، وقوله: لا المرئي بالمرئي: أي حتى يلزم ما ذكر من الجهة والجسمية ولوازمهما (قوله ليس بنص) بيان لما قبله، فقوله سترون ربكم يجوز أن يكون معناه سترون ثوابه أو نعيمه، وقوله: رب أرني أنظر إليك يجوز أن يكون معناه أرني آية من آياتك أنظر إليك: أي إلى آيتك (قوله على معنى واحد) هو الرؤية (قوله بالرؤية) أي بجوازها