في محل القدرة عليه، فحقيقة التولد عندهم إيجاد حادث بواسطة مقدور للقدرة الحادثة، وهذا المذهب إنما اخذوه من مذهب الفلاسفة في الأسباب الطبيعية، فإنهم زعموا أن الطبيعة تؤثر في مفعولها مالم يمنعها مانع، وليست عندهم كالعلل العقلية الموجبة للأحكام لذواتها إذ لا يجوز أن يمنعها مانع، فأخذ المعتزلة ذلك ولقبوه تولدوا ولم يجعلوا حكم السبب المولد بمثابة العلة العقلية لجواز أن يمتنع التولد لمانع، ثم غيروا العبارة كيلا يظهر مأخذهم، فقالوا هو فعل فاعل السبب وهذا إذا حقق لم يكن له حاصل، لأن الأثر الواحد يمتنع أن يكون ثابتا لمؤثرين، فمن ضرورة تأثير السبب فيه امتناع تأثير القدرة فيه، وقول القائل
(قوله في محل القدرة عليه) أي وهو العقل فالعقل عندهم يحدث النظر بالقدرة القائمة به وذلك النظر ينشأ عنه العلم النظري فكل من النظر والعلم قائم بالعقل والنظر مقدور مباشرة والعلم مقدور تولدوا وهذا بخلاف الحركة والضرب فإن الحركة قائمة باليد والضرب قائم بغيرها ... (قوله فحقيقة التولد) أي من حيث هو الصادق بتولد العلم النظري وغيره (قوله إيجاد حادث) أي كالضرب والقتل، وقوله: بواسطة الخ: أي وهو حركة اليد (قوله وهذا المذهب) أي مذهب التولد (قوله فإنهم زعموا الخ) فقالوا النار تؤثر في الاحراق بطبعها والسكين تؤثر في القطع بطبعها والأكل يؤثر في الشبع بطبعه: أي ذاته وهكذا وهم كفار (قوله مالم يمنعها مانع) أي وما لم ينتف شرط (قوله وليست) أي الأسباب الطبيعية (قوله كالعلل العقلية الخ) كحركة الاصبع مع حركة الخاتم فإنها مؤثرة فيها عندهم من غير توقف على وجود شرط وانتفاء مانع وكل ّ من الحركتين مخلوق لله عندنا (قوله الموجبة للأحكام) أي المؤثرة في الأحكام: أي في معلولاتها بطريق الإيجاب واللزوم العقلي (قوله إذ لا يجوز الخ) تعليل للنفي أو لقوله الموجبة (قوله فأخذ المعتزلة ذلك) أي تأثير الطبيعة في مفعولها (قوله ولقبوه تولدا) ثم إن التولد لا يقول به كل المعتزلة في النار ونحوها كالأكل والشرب لأنهم يوافقون أهل السنة في أن الحرق والشبع مثلا من الله (قوله ولم يجعلوا الخ) جواب عما يقال لم جعلوا السبب المولد بمثابة الطبيعة ولم يجعلوه بمثابة العلة العقلية فأجاب بقوله: ولم يجعلوا الخ والمولد بكسر اللام صفة للسبب المضاف إليه حكم إضافة بيانية، وقوله: بمثابة العلة العقلية: أي بحيث يكون معلولها لازما لها لا ينفك عنها أصلا (قوله لجواز الخ) يؤخذ منه أن اللزوم في التولد عند القائلين به عادي لا عقلي (قوله ثم غيروا العبارة) أي عبارة الفلاسفة فقالوا الخ، وظاهره أن التعبير بالتولد ليس فيه تغيير لها مع أنه تغيير لها (قوله فقالوا الخ) أي ولم يقولوا فعل فاعل الطبيعة (قوله هو فعل فاعل السبب) اعتراض بأن الحركة التي هي السبب فاعلة لأن السبب عندهم مؤثر في المسبب فهو فاعل له، وقد أسندوا فعله للفاعل فيلزم أن يكون الأثر المولد أثر فيه فاعلان ولا يعقل تأثير فاعلين في أثر واحد وهذا معنى قول الشارح وهذا: أي التعبير إذا حقق لم يكن له حاصل: أي لم يكن له حاصل معقول: أي بحكم العقل بصحته بل ببطلانه (قوله فيه) أي في الأثر (قوله تأثير القدرة) أي ذي القدرة وهو العبد (قوله وقول القائل) أي منهم جوابا عن الاعتراض المذكور، وحاصل ذلك الجواب أنه ليس المراد بقولهم فعل فاعل السبب أن