يمنعه. فإن قلت: لا نسلم أن التوكيد يدفعه لوقوعه مع المجاز، ومنه:
بكى الخز من عون وأنكر جلده ... وعجت عجيجا من جذام المطارف
سلمنا دفع التوكيد المجاز. لكن إنما يدفعه في الآية أن لو وقع بالمعنوي الذي يدفع توهم المجاز في النسبة إذ فيها وقع النزاع في الآية لا في المسند، لأن الكلام حقيقة قد وقع وإنما النزاع ممن وقع؟ قلت الجواب عن الأوّل أن البيت من باب الاستعارة لوقوعها في الفعل، والاستعارة مطلقا مبنية على تناسي التشبيه حتى قال فيها طائفة من علماء البيان إنها حقيقة لغوية، فيصح التوكيد فيها للمبالغة في دخول المشبه في جنس المشبه به والآية لا قرينة فيها على الاستعارة بخلاف البيت، فإن قرينة الاستعارة فيه اسناد العجيج إلى ما لا يتأتى منه حقيقة إلا أنه لا يسلم هذا الجواب من ورود الاعتراض عليه بالمصادرة عن المطلوب إذا لخصم يدعي أن الكلام ليس إلا الحروف والأصوات وقد أسند في الآية إلى مالا يتأتى منه، فهو عنده كإسناد العجيج في البيت إلى المطارف لكن أهل السنة رضي الله عنهم إنما استدلوا بالآية بعد أن قام لهم البرهان القطعي على عدم انحصار الكلام
ودفعه بقوله، فان قلت: الخ (قوله يمنعه) أي يمنع من الحمل على المجاز فيتعين الحمل على الحقيقة (قوله بكى الخز الخ) من كلام هند بنت النعمان بن بشير تهجو زوجها عونا وقبيلته جذاما (قوله وأنكر) أي الخز جلده: أي كره جلده لخشونته، وقوله: وعجت: أي صوّتت وأطلق الفعل مجازا على عدم ملاءمة الثياب لمن ذكر ومع ذلك قد أكده بالمصدر والآية مثله فكلم بمعنى خلق الكلام مجازا وأكد بالمصدر، وقوله: المطارف جمع مطرف: رداء من خز مربع فيه أعلام (قوله بالمعنوي) أي بالتوكيد المعنوي كالنفس والعين نحو جاء زيد نفسه دفعا لما يتوهم أن الجائي رسوله أو كتابه، وأما التوكيد اللفظي ومنه التوكيد بالمصدر فيجامع المجاز في النسبة، وحينئذ فإسناد كلم الله مجاز وللشجرة حقيقة (قوله إذ فيها) أي النسبة، وقوله: وقع النزاع: أي من جهة الحقيقة والمجاز (قوله وإنما النزاع ممن وقع) أي فأهل السنة يقولون وقع من الله والمعتزلة يقولون وقع من الشجرة (قوله قلت الخ) حاصله الفرق بين الآية والبيت فالبيت من قبيل الاستعارة التبعية لوجود القرينة والآية من قبيل الحقيقة لعدم وجود قرينة المجاز، وبهذا الفرق يرد قول المعتزلي أن التوكيد لا يمنع المجاز بل يجامعه كما في البيت والآية مثله (قوله من باب الاستعارة التبعية) فشبه عدم ملاءمة المطارف لجلد جذام بالعجيج واستعير العجيج لعدم الملاءمة واشتق من العجيج عجت لم تلائم وقرينة تلك الاستعارة اسناد العجيج لمن لا يتأتى منه حقيقة (قوله مطلقا) أي تبعية كانت أو غيرها (قوله أنها حقيقة لغوية) أي والتجوّز إنما هو في الاثبات (قوله فيصح الخ) مفرع على قوله والاستعارة مطلقا الخ: أي بخلاف المجاز المرسل فإنه هو الذي يدفعه التوكيد (قوله والآية الخ) أي وكل ما كان كذلك فهو حقيقة، فالآية من قبيل الحقيقة ولا مجاز فيها (قوله إلا أنه لا يسلم هذا الجواب الخ) حاصله أن المعتزلي له أن يقول أن الكلام حروف وأصوات والله تعالى منزه عن الحروف والأصوات، وحينئذ فإسناد الكلام له تعالى مجاز والقرينة موجودة وهي اسناد الكلام لمن لا يتأتى منه حقيقة فقد استوى البيت مع الآية فكما صح التوكيد في البيت صح في الآية (قوله بالمصادرة) هي أخذ الدعوى جزءا