وتلاشيها حتى تصير عدما محضا عند اطلاعها من ذي الجلال على ما اطلعت، لولا أنه ثبتها وأمسكها الذي السموات والأرض أن تزولا. وأما تأويل المعتزلة كلام الله سبحانه لموسى عليه السلام بخلق حروف وأصوات في الشجرة يسمع منها ما أراد الله تعالى أن يوصله إليه، فبناء منهم على مذهبهم الفاسد من انكار الكلام القديم القائم بذاته تعالى، وقد سبق رد ّ ذلك عليهم وأيضا فالذي يدل عليه قوله تعالى - إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي - وتسميته عليه السلام بكليم الله أنه خص بسماع كلام الله القديم القائم بذاته، وهو الذي نقل عن السلف ودرج عليه الخلف ودلت عليه السنة والقرآن، ولو كان اصطفاؤه بمجرد سماعه كلاما حادثا خلقه الله في جسم من الأجسام لكان كل من سمع كلاما من مخلوق قد شاركه في ذلك، لأن الذوات الحادثة وصفاتها مخلوقة لله تعالى، فإن أجابوا بأنه خص ّ بخلق الله الكلام فيما لا يعتاد منه الكلام، قيل لهم وهذا أيضا لا خصوصية فيه لوجود مثله في سائر الأنبياء، وأيضا فاطلاق كلم الله موسى بمعنى خلق الكلام مجاز وتوكيد الفعل بالمصدر في الآية
(قوله وتلاشيها) أي اضمحلالها عطف تفسير (قوله حتى يصير عدما محضا) أي كما صار الجيل دكا مع أنه أعظم بأضعاف من ذات الإنسان (قوله من ذي الجلال) من ابتدائية: أي اطلاعا ناشئا من ذي الجلال (قوله على ما اطلعت) أي عليه من اللذات العظيمة (قوله لولا أن ثبتها) أي ذات موسى وجواب لولا محذوف: أي لذابت (قوله وأما تأويل المعتزلة الخ) الحامل لهم على ذلك التأويل أنهم ينفون كلامه تعالى بناء منهم على أن الكلام لا يكون إلا بحروف وأصوات وذلك محال على الله فعارض مذهبهم مسئلة موسى عليه السلام فأوّلوها فتوجه المصنف إلى الكلام معهم في ذلك التأويل وإبطاله عليهم بقوله: وأما تأويل المعتزلة الخ (قوله ما) أي حروفا وأصواتا (قوله إليه) أي موسى (قوله فبناء) أي فمبنى منهم وهذا جواب أما (قوله رد ّ ذلك) أي انكارهم الكلام القديم القائم بذاته تعالى (قوله وأيضا الخ) وجه ثان لإبطال التأويل المذكور (قوله وتسميته) بالرفع عطفا على قوله تعالى (قوله إنه الخ) خبر الذي (قوله وهو الذي نقل عن السلف) ونقل عن أبي اسحاق الاسفرائني وأبي منصور الماتريدي ومن تبعه أن موسى سمع صوتا من سائر الجهات على خلاف العادة دالا على كلام الله، لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم (قوله ولو كان الخ) هذا إلزام للمعتزلة رشح به ما جرى عليه المبحث من ابطال مذهبهم (قوله لكان كل الخ) فيلزم أن زيدا مصطفى إذا كلمه غيره من الأشخاص وسمع كلامه لأن الاصطفاء يحصل بمجرد سماع الكلام المخلوق في أي شخص كان، وقد وجد الكلام المخلوق فيمن كلم زيدا (قوله قد شاركه) أي شارك موسى (قوله في ذلك) أي الاصطفاء (قوله لأن الذوات الخ) بيان للملازمة التي حكمت بها الشرطية قوله وصفاتها مخلوقة) أي ومن جملتها الكلام (قوله فيما لا يعتاد منه الكلام) أي وهو الشجرة، وأما خلق الكلام في زيد فمعتاد (قوله لوجود مثله في سائر الأنبياء) فقد خلق الله كلاما في جبريل خاطبهم به وجبريل غير معتاد كلامه مع البشر وقد يقال جبريل قد اعتيد الكلام معه بالنسبة للأنبياء وإن كان غير معتاد بالنسبة إلينا فكأن الشارح اعتبر جانبنا (قوله وأيضا فاطلاق الخ) هذا وجه ثالث لإبطال تأويل المعتزلة المذكور ثم استشعر سؤالا يرد على هذا الوجه فتوجه لتقريره