على قبولها اياه، فيكون هذا القبول صفة للذات طارئا أيضا عليها، فيحتاج في طروّه على الذات إلى قبولها أيضا له، فإن كان القبول الأول لزم الدور وإن كان قبولا آخر غيره نقلنا الكلام إليه أيضا ولزم التسلسل، وإلى هذا أشرت بقولي: لأنه نفسي والالزام الدور أو التسلسل، وإذا ثبت أن القبول نفسي للذات لزم أن يكون نسبة جميع صفاتها إليها قبولا واتصافا نسبة واحدة، فلو جاز خلوّها عن بعض أجناس صفاتها التي تقبلها لجاز خلوّها عن جميع تلك الأجناس المقبولة ضرورة لاستواء نسبة الجميع إليها لكن خلو ّ الذات عن جميع ما تقبله من أجناس الصفات محال مطلقا: أعني في حق الحادث وفي حق القديم فخلوّها عن بعض أجناس صفاتها التي تقبلها محال. أما استحالة الخلو عن الجميع في حق الحادث فلأنا نعلم على الضرورة استحالة عرو ّ الجواهر عن جنس الأكوان وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق فيجب أن لا تعرى عن سائر أجناس الأعراض التي تقبلها. وأما في حق القديم جل ّ وعلا فلأنا نعلم قطعا استحالة عروّه عما دل عليه فعله من العلم والقدرة والارادة والحياة إذ لو انتفعت في حقه هذه الصفات لاستحال أن يوجد فعلا من أفعاله فيلزم عدم المصنوعات كلها مع تحقق وجودها وهو محال على الضرورة، وإذا استحال عروّه عن هذه الصفات لزم استحالة عروّه عن سائر الصفات التي يقبلها لما عرفت من وجوب استواء نسبة جميع الصفات المقبولة إلى الذات القابلة لها، وإذا ثبت التلازم بين وجود ذاته تعالى وبين جميع صفاته التي يتصف بها لزم أن تكون كلها قديمة، إذ لو كان شيء منها حادثا والفرض أنه لا يمكن أن يعرى عن صفة من صفاته لزم أن يكون وجود ذاته حادثا لكن الحدوث على ذاته مستحيل لما عرفت من وجوب قدمه ففرض الحدوث في صفة من صفاته تعالى مستحيل فبهذا تعرف أن استحالة عرو ّ القابل عما يقبله من الصفات قاعدة يثبت لنا بها مطلبان. أحدهما في الشاهد وهو
كل ما اتصف بالطرو ّ فهو غير نفسي ومالم يطرأ فهو نفسي مع أن القدم مثلا غير طارئ على الذات وهو غير صفة نفسية، فالحق أن الصفة النفسية هي التي لا تتحقق الذات في الخارج بدونها أو الحال الواجبة للذات من غير أن تكون معللة بعلة بناء على الخلاف في ثبوت الأحوال وعدم ثبوتها (قوله على قبولها) أي لأنه ما طرأ على الذات إلا لكونها تقبله، وهذا القبول أيضا ما طرأ عليها إلا لكونها تقبله وهكذا (قوله وإلى هذا الخ) أي إلى قولي: والدليل الخ (قوله صفاتها إليها) الضميران عائدان على الذات (قوله قبولا الخ) أي من جهة قبولها لها واتصافها بها بالفعل (قوله نسبة واحدة) أي حالة واحدة لا تختلف (قوله فلو الخ) تفريع على ما قبله (قوله عن جنس الأكوان) الأولى عن جنسي الأكوان، فالحركة والسكون جنس والاجتماع والافتراق جنس، فالمراد هنا الشيء ومقابله (قوله قطعا) لم يقل بالضرورة لأن صفاته تعالى علمت بالدليل (قوله وهو) أي الجمع بين الوجود والعدم (قوله فبهذا) أي بما ذكر من أن قبول الذات لما تتصف به من الصفات نفسي، وأنه لو جاز خلوّها عن بعض ما تقبله من الصفات لجاز خلوّها عن جميعها لكن التالي باطل (قوله قاعدة) أي مضمون قاعدة قائلة كل ما قابل يستحيل