للاطلاع عليها بالاستدلال ولا بطريق الاعتبار، بل بمحض انعام وإلهام بخلق علوم لم تجز العادة بخلقها ولا يعرفها إلا أهلها ولا يعرفها غيرهم كما لا يعرف الأكمه حقائق الألوان ولا سبيل إلى تعرفها بالقول للغير، بل بإشارة العارف للعارف كما قيل:
تشير فأدرى ما تقول بطرفها ... وأطرق طرفي عند ذاك فتفهم
ويقال: لن يفهم عنك إلا من أشرق فيه مثل ما أشرق فيك، ولا يعنون بذلك حلولا كما يفهمه بعض الملبسين، بل يريدون تلك البصيرة الباطنة والموهبة الربانية التي لا ريب فيها ولا شك كما وصف بذلك نبيه عليه الصلاة والسلام فقال - ما زاغ البصر وما طغى - فأنى له الجزم بنفي جميع ما يدّعونه، ونحن لا ننكر أن يخص الله تعالى عبدا من عبيده بعلم مّا كما قال تعالى في الخضر - وعلمناه من لدنا علما - وإنما ننكر على من يدعي رؤية عاجلة أو تقدّما على درجة النبوّة أو مشاركة فيها أو أنه عالم بالله تعالى علم احاطة، وإذا جاز خلق ادراك لنا بالله تعالى في الآخرة هو أتم ّ ادراكا من ادراكنا الذي هو معرفة المؤثر بأثره فلا يجزم العقل
من اضافة الصفة: أي بعلوم مخلوقة، فكأنه قال وهو: أي عين السر علم ينجلي وينكشف به الأمور كما أن المرآة الحسية تظهر صور الأشياء (قوله للاطلاع عليها) أي على تلك العلوم: أي متعلقها من المعلومات (قوله بل الخ) أي بل الاطلاع عليها بالانعام المحض المصور بخلق علوم الخ ولا حاجة لقوله: بخلق علوم بعد ما تقدم إلا أن يكون ذكره للتوطئة لما بعده (قوله والهام) هو الانعام (قوله ولا يعرفها) أي العلوم: أي متعلقها (قوله الأكمه) من خلق أعمى (قوله ولا سبيل الخ) لأن الله لم يخلق ما يؤديها من القول (قوله تشير الخ) الغرض من ذكره أن هذه العلوم لا يمكن التعبير عنها بالقول ولا سبيل إلى تعرفها إلا بإشارة العارف للعارف ... (قوله بطرفها) أي المحبوبة متعلق بتشير (قوله وأطرق) أي أرخى وأسدل (قوله مثل الخ) أي علوم مثل العلوم التي حلت في قلبك (قوله بذلك) أي بقولهم لن يفهم عنك الخ (قوله حلولا) أي حلول الرب ّ بحيث يكون المعنى لن يفهم عنك إلا من حل فيه الرب كما حل الرب ّ فيك (قوله الملبسين) جمع ملبس وهو الموقع لغيره في اللبس (قوله يريدون) أي بالإشراق (قوله تلك البصيرة) أي العلوم (قوله والموهبة) أي العطية عطف تفسير (قوله بذلك) أي بما ذكر من البصيرة الباطنية (قوله ما زاغ البصر) أي بصر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين أراه الله عجائب الملكوت، وقوله: - وما طغى - أي ما عدل عنها وتجاوزها: أي وكما أن البصر لم يطغ فكذلك بصيرته لا تزوغ عن الأمور التي عرفها بها (قوله فأنى له الجزم الخ) هذا مفرع على مضمون قوله: ويعارضه الخ والاستفهام انكاري والضمير المجرور عائد على الفخر، والضمير في يدّعونه عائد على الصوفية (قوله ونحن) أي معشر أهل العلم الظاهر والواو للحال (قوله بعلم مّا) أي بعلم خاص به (قوله رؤية) أي لله تعالى في اليقظة (قوله عاجلة) أي في الدنيا (قوله أو أنه عالم الخ) هذا هو المناسب لما نحن فيه بخلاف ما قبله (قوله وإذا جار الخ) تقوية لما قبله (قوله بالله) أي لذات الله (قوله هو أتم الخ) الجملة في محل ّ جر صفة لإدراك (قوله إدراكا) الأولى حذفه (قوله من إدراكنا) أي في الدنيا (قوله فلا يجزم العقل الخ) وإذا لم يجزم العقل