وعبأه على العظام وسد ّ به خلل الجسد كله، فصار مستويا لحمة واحدة واعتدلت هيئة الجسد به واستوت. ثم خلق العروق في جميع الجسد جداول لجريان الغذاء فيها إلى أركان لكل موضع من الجسد عدد معلوم من العروق صغارا وكبارا ليأخذ الصغير من الغذاء حاجته والكبير حاجته ولو كانت أكثر مما هي عليه أو أنقص أو على غير ما هي عليه من الترتيب لما صح ّ من الجسد بحسب العادة شيء. ثم أجرى الدم في العروق سيالا خائرا، ولو كان يابسا أو أكثف مما هو عليه لم يجر في العروق، ولو كان ألطف مما هو عليه لم تنفذ به الأعضاء، ثم كسا اللحم بالجلد ليستره كله كالوعاء له، ولولا ذلك لكان قشرا أحمر، وفي ذلك هلاكه عادة. ثم كساء الشعر وقاية للجلد وزينة في بعض المواضع، ومالم يكن فيه شعر جعل له اللباس عوضا منه، وجعل أصوله مغروزة في اللحم ليتم الانتفاع ببقائه ولين أصوله ولم يجعلها يابسة مثل رؤوس الابر، ولو كان كذلك لم يهنه عيش، وجعل الحواجب والأشفار وقاية للعين، ولولا ذلك لأهلكها الغبار والسقط، وجعلها على وجه يتمكن بسهولة من رفعها عن الناظر عند قصد النظر، ومن إرخائها على جميع العين عند إرادة إمساكه النظر إلى ما تؤذي رؤيته دينا أو دنيا، ولم يجعل شعرها طبقا واحدا لينظر من خلالها. ثم خلق شفتين ينطبقان على الفم يصونان الحلق والفم من الرياح والغبار وينفتحان بسهولة عند الحاجة إلى الانفتاح، ولما فيهما أيضا من كمال الزينة وغيرها. ثم خلق بعدهما الأسنان ليتمكن بها من قطع مأكوله وطحنه، وجعل اللسان آلة يجمع به ما تفرق من المأكول في أرجاء الفم ليتمكن تسهيله للابتلاع بطحن الارحاء، وخلق فيه معنى الذوق لكل مأكول ومشروب ولم يخلق جل وعلا له الأسنان في أوّل الخلقة لئلا يضر بأمه في حال رضاعه بالعض ولأنه
الخ تفسير لما قبله (قوله وعبأه) بالتخفيف والهمز أو بالتشديد بدون همز: أي سوّاه على العظام وسترها به (قوله وسد ّ به الخ) أي سد ّ به الفرجة الخالية التي بين العظام، في المصباح الخلل بفتحتين بين الشيئين والجمع خلال مثل جبل وجبال (قوله هيئة الجسد) اظهار في محل الاضمار للإيضاح. والأصل هيئته به (قوله جداول) أي مجاري: أي محلات للجري (قوله لجريان الغذاء) أي ما به قوام الجسد (قوله إلى أركان الجسد) أي أعمدته وهي العظام وهذا يقتضي أن العروق واسطة في غذائها وهو يعارض ما بعده من أن المتغذى هو العروق وهذا هو الظاهر (قوله خائرا) أي غليظا ثخينا (قوله لكان) أي اللحم، وقوله: قشرا: أي مقشرا وظاهرا من غير ساتر (قوله في بعض المواضع) متعلق بكساء وذلك البعض كالرأس واللحية (قوله ومالم يكن فيه شعر) أي كالظهر والبطن (قوله ليتم الانتفاع ببقائه) أي لأنه تخرج منه الأبخرة المحبوسة في البدن (قوله لم يهنه عيش) أي لم يتهن ّ ولم يرتح في معيشته لما يحصل له من التألم بنخس رؤوس الشعر (قوله ولولا ذلك) أي الحواجب والأشفار (قوله والسقط) أي الشيء الساقط (قوله وجعلها) أي الأشفار (قوله عن الناظر) هو العين أو النقطة السوداء فيها أو البصر نفسه (قوله طبقا واحدا) أي كالمنسوج (قوله لينظر) اللام للعاقبة (قوله بعدهما) بعدية مكان لا خلق (قوله في أرجاء الفم) أي نواحيه (قوله بطحن الأرحاء) متعلق بتسهيل، والأرحاء بالحاء المهملة الأضراس (قوله معنى الذوق) الإضافة بيانية