أمكن في العقل وقوعها على خلافه أو مثله، ولا يتخصص إلا بالقصد إليه، وجب أن يكون عالما بها من كل وجه، وذلك أدل دليل على أنه عالم بالجزئيات لا كما يقول الفلاسفة إن علمه لا يكون إلا كليا -تعالى الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا - (قوله: وامداده بما يحفظها عليه) الضمير في إمداده يعود على الجزء والمنصوب في يحفظها يعود على المنفعة، وبيان ما ذكر على سبيل الإشارة أن تقول: جسد الإنسان مركب من أصول أربعة: الأرض والماء والهواء والنار. ثم تفصلت هذه الأربعة إلى العظم والمخ والعصب والعروق والدم واللحم والجلد والظفر والشعر، ووضع كل واحد منها لحكمة لولاها لم يكن الجسد بحسب العادة، فالعظام منها هي عمود الجسد فضم بعضها إلى بعض بمفاصل وأقفال من العضلات والعصب ربطت بها، ولم يجعل عظما واحدا لأنه لو كان يكون مثل الحجر ومثل الخشبة لا يتحرك ولا يجلس ولا يقوم ولا يركع ولا يسجد لخالقه الواحد الأحد القيوم، وجعل العصب على مقدار مخصوص، فلو كان أقوى مما هو لم تصح عادة حركة الجسم ولا تصرفه في منافعه. ثم خلق تعالى المخ في العظام في غاية الرطوبة ليرطب يبس العظام وشدّتها ولتقوى العظام برطوبته، ولولا ذلك لضعفت قوّتها وانحرم نظام الجسد لضعفها بحسب العادة. ثم خلق اللحم
الإنسانية جزءا وقطعة من زيد كالخيط بالنسبة للحصير (قوله أمكن الخ) أي جوّز العقل وقوعها على خلاف هذا الوجه الذي وجدت عليه ووقوعها على مثل الوجه الذي وجدت عليه (قوله وبيان ما ذكر) أي في المتن من قوله وإلا لم تكن على ما أنت عليه من دقائق الصنع الخ (قوله على سبيل الإشارة) أي لا على سبيل التفصيل إذ لا يعلم جميع ما استوى عليه البدن من المحاسن إلا الله (قوله جسد الإنسان مركب الخ) والتركيب مما ذكر واجب عند الأطباء ومن وافقهم وجسد الإنسان عند أهل السنة مركب من جواهر فردة ويجوّزون تركيبه من العناصر ... (قوله ثم تفصلت الخ) فيه نظر إذ المنفصل إنما هو النطفة إلا أن يقال هذه النطفة ناشئة عن الأغذية بالنبات الناشئ عن الأمور الأربعة فكل شيء حدث بعد تركيب من الأمور الأربعة فهو ناشئ عنها ولو بواسطة (قوله ووضع) أي خلق (قوله لم يكن) أي لم يوجد (قوله بمفاصل) جمع مفصل ملتقى العظمين، وقوله: وأقفال جمع قفل وهو العصب الكائن بين ملتقى العظمين (قوله من العضلات الخ) بيان لما قبله جمع عضلة بفتحتين عصب عليه لحم غليظ فعطف العصب من عطف العام (قوله ربطت) أي العظام بها: أي الأعصاب وهذا تفسير لقوله ضم بعضها الخ (قوله ولم يجعل) أي الجسد (قوله يكون) أي الجسد على الفرض المذكور (قوله لا يتحرك) أي لا تتحرك أجزاؤه وإلا فما كان مثل الخشب يتحرك ولكن برمته (قوله ولا يجلس الخ) أي على الهيئة التي تقع من الإنسان وإلا فكل ما ذكر يمكن مع كونه عظما واحدا (قوله فلو كان أقوى الخ) المناسب لقوله على مقدار مخصوص أن يقول ولو كان أعظم أو أكثر مما هو عليه وإن كان العصب يناسبه القوّة من جهة المعنى وكذا الحكم لو كان أضعف مما هو عليه (قوله ثم خلق الخ) ثم للترتيب الذكري (قوله ليرطب) أي بسبب رطوبته (قوله يبس العظام) من اضافة الصفة للموصوف أي العظام اليابسة، وقوله: ولتقوى