فهرس الكتاب
الصفحة 190 من 517

لا يحتاج لها حينئذ لضعفه عما كثف من الأغذية التي تفتقر إلى الأسنان، فلما ترعرع وصلح للغذاء خلق له الأسنان، وجعلها نوعين بعضها محدودة الأطراف، وهي التي للقطع يقطع بها المأكول وبعضها منبسطة وهي التي للطحن، فسبحانه ما أكثر عجائب صنعه وأوسع الآيات الدالة عليه ولكنا لا نبصر شيئا إلا بتوفيق الله تعالى. ثم لما كان المأكول شديدا كثيفا ولم يكن ليجري في الفم إلى الحلق، وهو كذلك على يبسه أنبع الله تعالى في الفم عينا نابعة على الدوام، أحلى من كل حلو وأعذب من كل عذب، فيحرك اللسان الغذاء ويمزجه بذلك الماء فيعود زلقا فينحدر في الحلق بلا مؤونة، ولهذا إذا أعدم الله تلك العين بخلق جفوف من المرض لم يمض على الحلق شيء وإن معنى فبمشقة عظيمة، ومن عجائب هذه العين أنها مع عدم انقطاعها لم يكن ماؤها يملأ الفم في كل وقت حتى يتكلف الإنسان مؤنة عظيمة في طرح ذلك عنه، بل جرت على وجه ألجمت فيه أن تتعدّى وجه منفعتها - فتبارك الله أحسن الخالقين - ثم خلق أظفار اليدين والرجلين لتشتد ّ بها أطرافها لكثرة حركتها والتصرف بها في الأمور وليحك بها وينتفع بها في موضع الحاجة، وانظر إلى خلق الأصابع، وجعلها مفرقة ذات مفاصل ليتمكن بذلك من قبضها وبسطها بحسب الحاجة، ولما كان الشعر والظفر مما يطول لما في طولهما لبعض الناس في بعض الأوقات، وكان جزهما مما يحتاج إليه في بعض الأوقات لم يجعلا كسائر الأعضاء في تألم الإنسان بقطعهما، فانظر إلى دقائق هذا الصنع الجليل، وحسن معاملة المولى الرحيم هذا العبد الكفور إلا من عصمه الله تعالى باللطف الجميل. ثم هكذا كل عظم وعرق وقليل أو كثير من الجسد على هذه الحكمة وأكثر، وقد أشرنا إلى نزر يسير من بحر لا ساحل له، هذا في جسد الإنسان وحده ثم إذا تتبعت عجائب الملك في الأرضين وسائر حيواناتها وأشجارها ونباتها. ثم عجائب الملك في السموات وملائكتها وعرشها وكرسيها

(قوله لا نبصر) أي بصر اعتبار (قوله على يبسه) تفسير لقوله كذلك فهو على حذف أي التفسيرية (قوله أحلى الخ) المراد بذلك لازمه وهو عدم السآمة من ذلك الماء وإلا فالريق لا طعم له أصلا حتى يتصف بالحلاوة وجمع بين أحلى وأعذب لأن العذوبة أخص إذ هي حلاوة مع برودة (قوله زلقا) بكسر اللام: أي رطبا طريا (قوله بلا مؤونة) أي كلفة (قوله ولهذا) أي لأجل كون الغذاء إنما يصير زلقا بمزجه بماء العين النابعة في الفم (قوله شيء) أي من الغذاء (قوله حتى يتكلف) تفريع على المنفي (قوله ألجمت) أي منعت (قوله الخالقين) أي المقدّرين أو الموجدين لشيء على سبيل الفرض (قوله لكثرة حركتها) أي وإنما احتيج لشد ّ تلك الأطراف لكثرة الخ (قوله وليحك الخ) أي ولأجل أن يحك بالأظفار في موضع الحاجة للحك وهذا عطف على قوله لتشتد ّ الخ (قوله ليتمكن الخ) علة لكونها ذات مفاصل (قوله الكفور) أي شديد الكفر بنعمه حيث لم يشكره عليها (قوله وقليل) عطف على عظم (قوله على هذه الحكمة) أي جار على جنس هذه الحكمة لأن كل واحد له حكمة خاصة به (قوله الملك) هو الأمور المشاهدة بخلاف الملكوت فهو ما غاب عنا (قوله في الأرضين) أي المتحقق فيها وكذا يقال في قوله في السموات (قوله وعرشها الخ) أضافهما

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام