فهرس الكتاب
الصفحة 185 من 517

الشكل المسدّس مما لا يستخرجه إلا اذكياء المهندسين بعد سبر وبحث عظيم، ومعلوم أن النحلة من الحيوان غير العاقل، وقد صدر من فعلها ما صدر، فكيف يصح مع هذا أن يستدل بأحكام الفعل، واشتماله على دقائق الصنع على علم صانعه. فالجواب أنك عرفت أن معتقد أهل السنة أن الله جل وعلا منفرد بخلق كل شيء ولا تأثير لغيره في شيء أيا كان، وأن الأفعال التي تتصف بها العقلاء وغيرهم كلها منسوبة إلى الله جل وعلا خلقنا واختراعا، وإن كان بعضها ينسب إلى بعض من يتصف بها كسبا من غير تأثير أصلا، وسيأتي في فصل خلق الأفعال تفسير معنى الكسب، فليس في الوجود عند أهل السنة إلا الله جل وعلا موصوفا بصفاته العلية، وكل ما سواه من الكائنات فهي أفعاله، فالشكل المسدّس الذي اتخذته النحلة إذن ليس لها فيه تأثير أصلا، بل ولا كسب من غير تأثير لما يأتي في فصل إبطال التولد من امتناع تعلق القدرة الحادثة بغير محلها، وإنما وقوع ذلك الشكل بمجرّد خلق الله جل وعلا واختراعه، وألهم النحل لاتخاذه مسكنا كما ألهم سائر الحيوانات لمصالحها الذي خلق كل شيء ثم هدى، فهو من جملة ما يدل على عظيم علمه تعالى، ولو سلمنا أنه من فعلها فلا نسلم أنها غير عالمة به حينئذ، بل خرقت في حقها العادة، وألهمت علم ذلك وخلق لها كما خلق للنملة علم بسليمان عليه السلام وبجنوده حتى قالت - يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم - ثم تعليم دقائق العلوم وخلقها لمن ليس أهلا لمطلق العلم، فكيف بدقائقه من أدل دليل على شرف علمه جل وعلا وباهر قدرته ونفوذ ارادته وانقياد جميع الممكنات لمشيئته تعالى، وقد ضعف امام الحرمين في البرهان دلالة الأحكام على العلم وقال: لا معنى للأحكام سوى أن الأكوان خصصت الجواهر بأحياز

الجمع بين هاتين المصلحتين لا نفس المعرفة (قوله مما لا يستخرجه الخ) وأما غير الأذكياء منهم فلم يهتد لذلك (قوله بعد سبر) أي اختبار (قوله فالجواب الخ) هذا إنما يتم على مذهب أهل السنة فهو بيان لمذهبهم لا أنه الزامي إذ الخصم يمنع ذلك (قوله معنى الكسب) الإضافة للبيان والكسب تعلق القدرة الحادثة بالمقدور، والمراد بالتعلق المقارنة (قوله من الكائنات) أي الحوادث (قوله أفعاله) أي مفعولاته (قوله المسدس) أي المشتمل على ست زوايا: أي أركان (قوله بل ولا كسب من غير تأثير الخ) أي لأن ذلك الفعل خارج عن محل قدرتها كما أشار إليه فبيت النحلة مثلا غير محل القدرة (قوله الذي الخ) فاعل ألهم (قوله ولو سلمنا أنه من فعلها) أي كسبا ويحتمل اختراعا وهو المتبادر (قوله فلا نسلم الخ) أي وحينئذ فقد تم ّ الدليل على المدّعى وبطل كلام المعترض (قوله وخلق الخ) بالبناء للمجهول: أي خلق الله الخ وهذا تفسير لما قبله (قوله لمن ليس الخ) كالنحل وعبر بمن لسوق في مساق ذوي العلم (قوله فكيف بدقائقه) أي فكيف يكون أهلا للعلم بالدقائق والاستفهام انكاري (قوله على شرف علمه) أي كما له حيث علم ما ذكر (قوله وباهر قدرته الخ) هذا زائد على المقصود لأن الكلام في كونه عالما فالذي يناسب المقام هو قوله على شرف علمه فقط (قوله وقد ضعف الخ) فيه أنه أبطله في ذلك الكتاب لكن لما لم يظهر لإبطاله زجه عبر بالضعف (قوله لا معنى للأحكام الخ) الأكوان جمع كون وهو حصول الجرم في حيز: أي مكان فحصول زيد في الحيز المخصوص

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام